قانون الانتخاب.. ضعوا الحصان أمام العربة

أيام قليلة، وتنهي السلطة التشريعية ثلاثة من أبرز قوانين الإصلاح التي أشارت إليها الحكومة في كتاب تكليفها، وهي "الأحزاب" و"البلديات" و"اللامركزية"، فيما بقي في جعبة الحكومة القانون الأبرز والأهم، والذي يشكل رافعة الإصلاح المنشود، وهو قانون الانتخاب.
ولأن قانون الانتخاب تدخل في "طبخته" أياد كثيرة، وتتدخل في مواده عوامل مختلفة، وحسابات معقدة، فإن "طبخته" تأخذ وقتا أطول، وجلسات حوارية سرية وعلنية أوسع، وأفكارا مختلفة من مشارب متعددة.
الشكل الواضح أمام الناس أن القانون يخرج كمشروع من بيت السلطة التنفيذية، ويذهب إلى بيت السلطة التشريعية. لكن الأهم، ما يسبقه من مشاورات ووجهات نظر مختلفة و"كولسات"، تشارك فيها جهات متعددة في هيكل الدولة، ومدارس فكرية متعددة، يتم الأخذ بطروحاتها حينا أو الاستماع إليها حينا آخر، وكفى.
من تلك المدارس المشاركة في كولسات اللحظات الأخيرة قبل إعلان المشروع للعلن، ما هو محافظ وراديكالي، ومنها ما هو إصلاحي وتنويري، ووسطي، وتقليدي، وكل وجهة نظر تريد أن يذهب القانون إلى حيث تأمل أو تتمنى.
بطبيعة الحال، فإن كل مدرسة فكرية وقبل المباشرة بمناقشة القانون، تملأ فضاءنا بتصريحات عن أهمية التوصل لقانون انتخاب عصري، ديمقراطي، إصلاحي. وتحدثنا عن القانون العتيد باعتباره فاتحة وباكورة الإصلاح المنشود.
مشكلتنا أن الجميع يدور حول نفس الخلل، من دون الاعتراف أن كل قوانين الانتخاب التي مرت بنا تشبه بعضها، طالما بقي "الصوت الواحد" حجر الرحى فيها، وطالما واصلنا الارتجاف من إدخال الأحزاب ضمن عملية الإصلاح المنشود، وواصلنا التعامل مع قانون الانتخاب بحسبة الأثر والتأثير وحصة هذا الطرف أو ذاك.
الحقيقة الجلية، أنه منذ إقرار فكرة "الصوت الواحد" قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، والحياة السياسية لدينا في تراجع مستمر، ما انعكس على الحياة الحزبية والبرلمانية، فبات جلنا يترحم على مجالس نيابية سابقة، وشخصيات سياسية أثرت الحياة السياسية، وكأنه بات لدينا عقم في الأفكار الإصلاحية، وفي المجالس النيابية، والشخصيات السياسية، ولم نعد نستطيع استنباط الأفكار أو التوجهات الإصلاحية، فأصبحنا مكانك سر، ندور في حلقة مفرغة، لا أثر ولا تأثير لها.
جميعنا يعرف أن بيت الداء هو "الصوت الواحد"، لكننا نكابر، ونخترع وصفات من هنا وهناك، كالدوائر الوهمية حينا، والقوائم الوطنية التي أجهضنا فكرتها قبل أن تبدأ، رغم أهميتها، وكل ذاك حتى نبقي على "الصوت الواحد" من دون تغيير.
مشكلتنا ليست في الأشخاص، ولكن في القانون الذي أجهضت على أبوابه بفضل "الصوت الواحد" كل الأفكار الإصلاحية التنويرية، واستطاع الفكر المحافظ أن يديم الاحتفاظ بالفكرة حتى الرمق الأخير، مستحضرا تخوفات من هذا، واستحواطا من ذاك.
الحقيقة الكاملة، ونحن على مشارف إعلان مسودة قانون الانتخاب الجديد للعلن، أنه لو أفرزنا مليون تشريع جديد، وجوّدنا مواد ثانوية فيه، من دون أن ندخل في العمق ونضع "الصوت الواحد" خلفنا، وننطلق للأمام، فإننا سنبقى في نفس الدائرة ولن نخرج منها أبدا، وسنجد أنفسنا بعد سنتين أو ثلاث نبحث عن شكل جديد لقانون الانتخاب.
قد يقول قائل إن هذا الكلام بات خلف ظهرنا وخاصة أننا سمعنا من شخصيات مطلعة حكومية ونيابية أن "الصوت الواحد" بات خلف ظهرنا، وقانون الانتخاب العتيد المنتظر تجاوزه، لكن سوابقنا في هذا الموضوع كثيرة، كان آخرها قانون الانتخاب الأخير، الذي أعلنا قبل إطلاقه للعلن بأيام معدودة أنه "دفن" الصوت الواحد، ولكن بقدرة قادر تمت إعادة إحياء "الصوت الواحد" من جديد، ووجدنا أن القانون ما يزال يحتفظ به كحجر رحى أساس.
القصة ليست بالكلام، فالكلام سبق أن سمعناه كثيرا في محطات مختلفة، لكن القصة في التطبيق والتنفيذ، وتوافق كل أطراف المعادلة التي تفرز قانون الانتخاب، على أن "الصوت الواحد" يشكل عائقا للإصلاح المنشود وللديمقراطية التي نبحث عنها، وأن تقتنع كل الأطراف بضرورة تجاوزه.
عند توفر ذلك نستطيع القول إننا وضعنا الحصان أمام العربة، وبدأنا نسير وفق رؤية حقيقية للإصلاح.
(الغد 2015-08-24)