منظمة التحرير الفلسطينية.. إلى أين؟

لا مبالغة في القول ان الحال الفلسطينية وصلت الى دركها الاسفل, ولم تعد قادرة على اثارة اي اهتمام شعبي, لا فلسطيني ولا عربي وبالتأكيد لا اقليمي أو دولي, بعد ان أوصل المُمسكون برقبة «المنظمة» والمُهيمنون على مجلسها الوطني, الذي يفوق عدد اعضائه, عدد مجلس الشعب الصيني, هؤلاء كلهم, وهم لا يزيدون على عدد اصابع اليد الواحدة, الى طريق مسدود، شاءت الصدف, أن يختزلوا البرنامج الوطني الفلسطيني, الذي سالت دماء فلسطينية وعربية وأممية غزيرة من اجل إنجاحة أو تحقيق بعض اهدافه دون التخلي عن الثوابت او التفريط بالحقوق, في قراءتهم ووجهة نظرهم الضيقة التي تُختصر في عبارة واحدة وهي «ان لم ترض اسرائيل واميركا بتنازل من هنا وآخر من هناك , فإنهما سترضيان لا محالة, بمزيد من التنازلات وخصوصاً الجوهرية منها «ولم يكن التعهد القاطع بعدم حدوث انتفاضة سوى اشارة على طبيعة و»نوع» هذا التحول, ما يعني والحال هذه، ان ما تبقى مجرد تفاصيل عابرة تسري عليها ما يسري على مَنْ اختار ان يُقزّم الصراع وكأنه مجرد تبادل للاراضي وحرية التنقل للثوار (السابقين) عبر بطاقات الـ»VIP» التي تُصدرها الادارة المدنية للاحتلال «المتنور والحضاري» الذي يلتقي مع «حضارية» الذين اختاروا أن لا يحيلوا تقرير غولدستون الى المحكمة الجنائية الدولية ولم يترددوا في سحب طلبهم التصويت على عضوية اسرائيل في «الفيفا» ودائماً في مناورتهم المكشوفة بل المفضوحة في عدم انتظار بضعة أيام كي تتغير موازين القوى في مجلس الامن عبر تبديل الدول غير دائمة العضوية فيه, كي يتم التصويت على قبول دولة فلسطين في الجمعية العامة للامم المتحدة لتحمل الرقم (194) وعن سابق اصرار اختار التصويت قبل اربع وعشرين ساعة كي لا يتوفر عدد ثلثي الاعضاء أي (9 من 15) كي يسقط الاقتراح ويذهب «رصيده» مكافأة او استرضاء لواشنطن وتل ابيب.
ما علينا..
المحاولات التي تقوم بها سلطة رام الله في شأن إعادة ترتيب اوضاع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعمليات «السحب والاضافة» او «القص والتلزيق»، تبدو وكأنها عملية توزيع للكعكة على الورثة، وتهدف–ضمن امور اخرى–الى قطع الطريق على اي محاولات لفتح الملفات ونبش اسرار القرار الذي وسم العمل السياسي (والاداري الحكومي) وما شابه من فساد او تورط او تواطؤ او حتى تآمر على قضية الشعب الفلسطيني من قبل هذه الجهة الفلسطينية او ذلك الجهاز الأمني او المالي او التفاوضي.
هل قلنا التفاوضي؟
نعم، فنجم صاحب نظرية «الحياة مفاوضات»، يبدو في ارتفاع وتألق، بعد ان تواترت الأنباء عن تسليمه مفاتيح القرار (...) واجبار باقي القوى على التسليم بالامر الواقع, سواء في «ترئيس» معالي امين السر الجديد للمنظمة، الذي انتخبه «المستقيلون» منها (؟) ام في إهالة التراب على خصوم الرئيس الذين «انقلبوا» عليه او استدرجهم للاجهاز عليهم (لا فرق).
ما يجري داخل منظمة التحرير الفلسطينية وفي كواليس سلطة اوسلو، يعيد الى الاذهان الازمة العميقة التي كانت عصفت بمنظمة التحريرعام 1993 وقبل شهرين من الكشف عن (اوسلو ومحلقاته) وكيف بدت المنظمة برئاسة عرفات معزولة وايلة للسقوط وظهرت اطراف عربية واقليمية مستعدة لوراثتها ودفنها «حيّة» في الوقت ذاته، لكن الأمور الان مختلفة تماماً، حيث لم تعد «المنظمة» تُخيف أحداً، ولا ينازعها احد مسألة التمثيل الشرعي والوحيد، ولا هي تتوفر على اوراق وشرعية شعبية صلبة قادرة على قلب الطاولة على الجميع والقول: نحن هنا، بل لم تعد هي «الرقم الصعب» في المعادلة الاقليمية بعد ان بددت «مراحل» ما بعد اوسلو، مكاسب الشعب الفلسطيني واهدرتها في التفاوض العبثي, وبالتالي فإن لعبة الوراثة الممجوجة وتقاليد تصفية الحسابات واشهار السكاكين هي التي ميزت الساحة الفلسطينية في مرحلة ما بعد عرفات, قد قضت على كل أمل وتفاؤل بحدوث تغيير «ثوري» في سلطة متآكلة وبلا رصيد شعبي, ولم يعد أحد ينافسها في ما تبقى من كعكة أوسلو سوى حركة حماس التي لا تقل سوءاً وجشعا عن سلطة اوسلو.
الكرة في ملعب ما تبقى من المجلس الوطني الفلسطيني , فهل يقول هؤلاء «لا» مدوية لعملية التوريث الجارية الآن على قدم وساق؟ ام يخضعوا ويحرصوا على ما تبقى من امتيازاتهم الشخصية؟
.. الايام ستروي!
(الرأي 2015-08-25)