عرب.. مع وقف التّنفيذ !

من يحمل هوية أصيلة يتنفسها ولا يشعر بغيابها الا اذا اصابه اختناق، فالهوية هواء نتذكره عندما لا نجده، وهذا هو الفارق الجوهري و الحاسم بين أن تكون عربياً أو تحاول أن تكون و بين أن تكون صادقا و أن تحاول الصِّدق! فالهوية المعافاة تتطابق فيها القامتان قامة الانسان بوصفه انسانا وقامة المُواطن بوصفه منتمياً الى سياق قومي و حضاري . ما أعنيه بعربي مع وقف التنفيذ هو ما تشربناه بل رضعناه منذ الصّبا عن تاريخنا و ثقافتنا و مجمل مكونات الذات، لهذا فالعربي الذي لا يشكو من هوية جريحة أو مَقضومة من طرف ما يشعر بالبطالة ازاء ما يرى و يسمع، فهو يدرك في قرارة ذاته أن عليه عبئاً ما، و لديه شعور غامض بالذنب و التقصير لأنه مَكتَوف اليدين لسبب أو لآخر و لأن الخرائط وتضاريسها تشظت الى حدّ لا يسمح له بأن يكون عربياً في المطلق، اذ لابد أن يضيف صفة أخرى، وتلك من منجزات سايكس بيكو قبل قرن، العربي المتطابق مع ذاته و المتناغم مع كل مكوناته يشعر بأنه عراقي اذا جرى دم هناك ولم يستطع ايقاف نزيفه و هو فلسطيني ازاء مشهد يصيبه بالقشعريرة و لبناني و خليجي و مصري و مغربي بالدرجة ذاتها، لكنه عاجز عن ترجمة هذا الوعي النظري و المجرد الى واقع من لحم ودم. وان كان لكل منا الحق في أن يعبر عن نفسه دون ان يقترح هذا التعبير على الآخرين. فأنا اشعر أثناء كتابة مقال عن العراق أني قصرت في الكتابة عما يجري في لبنان أو مصر أو الجزائر لأن هذا التزامن الدراماتيكي بين الاحداث رغم التباعد الجغرافي هو قاسم مشترك قومي و تاريخي بامتياز. وهنا يجب الاعتراف بأن الدم لا الماء يجري احيانا في الأواني السياسية المستطرقة، فمن غزوا الوطن العربي على اختلاف راياتهم و اسمائهم و لغاتهم لم يفرقوا بين شبر و آخر، وبين صحراء و نهر وجبل، ان يكون المرء عربياً فذلك يعني أنه لا يقبل القسمة على اكثر من واحد و أنه غير قابل للتحول الى كَسْرٍ عشري، أو نسبة مئوية. وقد يبدو هذا الكلام رومانسيا ومجرد نوستالجيا قومية بالنسبة للبرغما تيين و الذرائعين الذين يخضعون حتى الدموع للميزان . ان من اصعب اللحظات الشعور بالعجز عن أي شيء يتجاوز اضعف الايمان. رغم أن ما يجري يتطلب حشد أقصى ما نستطيع قبل فوات الأوان !!
(الدستور 2015-08-31)