الحكومة والاستثمار!

حكومة د. عبدالله النسور غير محظوظة على الإطلاق في إدارة الملف الاقتصادي، بل وشكلت قرارات اتخذتها في السنوات الثلاث الأخيرة سببا لعدم رضا الشعب عنها وفقا لاستطلاعات الرأي، في مقدمتها رفع أسعار المحروقات غير مرة، علاوة على عدم تقديم معالجات تذكر حيال الغلاء المتفشي، والذي جعل عاصمتنا ضمن مصاف المدن الأكثر غلاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي ذاتها الحكومة التي تنتقد أداءها الاقتصادي مراكز القرار، والنخبة السياسية ورجال الأعمال.
بيد أن حظها العاثر تمثل في بروز أثر التطرف والاحتراب خلف حدودنا على واقعنا الاقتصادي، لاسيما في التجارة بعد سلسلة إغلاقات لبوابات تصدير تقليدية شمال وشرق البلاد. كما برز هذا الأثر السلبي في السياحة التي لم تفعل الحكومة الكثير للتكيف مع التراجع الحاصل بشأنها. فها هي البترا -إحدى أعاجيب العالم- تئن تحت إغلاقات عدد من الفنادق، نتيجة النقص الحاد في أعداد الزوار. ومثلها يعاني قطاع واسع من منشآت سياحية واقتصادية في العامين الاخيرين.
وعلى المستوى الخارجي، باتت المساعدات العربية شحيحة. إلا أن موقف الحكومة في منتدى التواصل الاقتصادي الخليجي الأردني، نهاية الأسبوع الماضي، يسترعي الانتباه. إذ ما الذي دفع رئيس الوزراء إلى القول أمام رجال أعمال خليجيين "نريد منكم الاستثمار النافع والمجدي. نحن لا نتسول الاستثمار، بل نعطي الفرص"؟ فمثل هذه اللغة تنطوي على عتب وربما أكبر من ذلك. كما أن التصريح أمام الجسم الاقتصادي الخليجي بأن "دعم الأردن لا يكلف العرب شيئا، وأنه واجب على الأمة العربية"، يحمل في ثناياه خطابا قديما لم يعد مجديا اليوم؛ فشبكة العلاقات العربية كانت في السابق ضعيفة وغير مؤسسية في جوانب كثيرة، وهي اليوم أكثر ضعفا وتشتتا.
كل دولة عربية لديها ما يكفيها من التحديات السياسية والاقتصادية، وكذلك الأمنية. وصحيح أن حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في الأردن يتجاوز 40 مليار دولار، كما تفيد بيانات حكومية في نهاية العام المنصرم، إلا أن حجم التحديات المفروضة على الأردن اقتصاديا يتطلب ضخ مليارات إضافية، وعلى نحو يضيف قوة للمنحة الخليجية التي قدمت للاقتصاد الأردني اسنادا نوعيا في أعوام مضت.
وإذا سلمنا بأن الحكومة أخفقت في التعامل مع ملف الاستثمار داخليا، فهل من المناسب أن يتحول خطابها إلى عتب مفتوح للخارج، في ظل تعقيدات الأوضاع من حولنا؟ وما الجدوى من التركيز على أن العلاقة مع الرساميل العربية المطلوبة لتغيير وإنقاذ الواقع الاقتصادي تنطلق من أرضية منح الفرص، في الوقت الذي تتحرك فيه الاستثمارات في المنطقة بشكل عشوائي، وفقا لحالة من عدم اليقين والخوف من اللحظة الراهنة وكذلك المقبلة؟
في تقديري أن الخطاب التقليدي في الاقتصاد ليس مطلوبا اليوم، ومثله لغة العتاب. والبديل يكمن في التسويق الذكي للميزات النسبية التي يحملها الاقتصاد الأردني، بعيدا عن العواطف أو الغضب. وليس منطقيا أن نبحث عن الحلول خارج الحدود، بينما لم تقم الحكومة، ومثلها القطاع الخاص، بدوريهما في البحث عن بدائل عملية وحلول اقتصادية لرسم خريطة استثمارات ضمن المستوى المحلي.
يقول خبراء في الاقتصاد والتخطيط إن التشخيص الدقيق والاعتراف بالمشكلات أساس للحلول الذكية؛ وإن الاختباء خلف الآخرين لا يغير في المشهد شيئا، بل يزيده تعقيدا.
(الغد 2015-09-05)