لهذا أعشق ألمانيا

منذ المراهقة وحتى اليوم، وأنا معجب بقوة تصميم ألمانيا ونهوضها من تحت الرماد، حتى أن هذا الإعجاب قادني لعشق وتشجيع المنتخب الألماني (المانشافت)، وربما يبتسم حاليا أحد أخوالي أو أبناء عمومتي أو أصدقائي أو زملاء العمل، وهو يقرأ هذه الكلمات، ويستذكر المناكفات التي كانت تحدث عند كل مباراة للمنتخب الألماني، أو لفريقي المفضل "بايرن ميونيخ".
مرد عشقي لألمانيا أمران، أولهما سبب لا أريد البوح به راهنا، والثاني إعجابي بإرادة أمة استطاعت النهوض من تحت ركام حرب عالمية طاحنة، وخلال فترة قصيرة لا تذكر عادت للواجهة من خلال بناء قوة عملاقة تفاخر بها، واقتصاد لا يقهر، وقيادة أوروبا سياسيا واقتصاديا، لا بل إن المنتخب الألماني لكرة القدم حصل على كأس العالم بعد أقل من 8 سنوات من نهاية حرب عالمية فعلت بألمانيا ما فعلت، ودمرت ما دمرت.
اليوم، تعود ألمانيا لتثبت لي وللعالم، ولكل من ناكفني، أنها ليست قوة رياضية واقتصادية وسياسية فحسب، وإنما قبل كل ذاك قيمة إنسانية وحضارية، تدافع عن قيمها ولا تبدل تبديلا.
اليوم، تقود ألمانيا جهدا أوروبيا جماعيا للتعامل مع مآسي اللاجئين السوريين وغيرهم، وتقود أوروبا لتبديل مواقفها من هذا الموضوع، والفرق الألمانية تعاضدت مع قيادتها السياسية وسبقتنا جميعا، وأعلنت عن فتح أبوابها للاجئين السوريين وغيرهم. ليس هذا فحسب بل وفتحت باب التبرعات لهذا الغرض.
الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل إن المنتخبات والفرق الكروية الألمانية من دون استثناء، والأوروبية بشكل عام وقفت في بداية مبارياتها بتصفيات أوروبا دقيقة صمت، تعاطفا مع مأساة اللاجئين، والمفارقة أن الفرق العربية والإسلامية التي لعبت في ذات اليوم، أو الذي بعده أو قبله، لم تفعل ذلك، وكأن الأمر لا يعنيها!
عندما نسمع ونقرأ ما قالته المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل حول موضوع اللجوء وتصريحاتها الإنسانية بهذا الجانب، نأسف لتدني شعورنا الإنساني الذي وصلنا إليه كعرب ومسلمين، ونتحسر على حالة لامبالاة نشعر بها في التعاطي مع مآسي اللاجئين التي نشاهدها يوميا، وصور الأطفال الذين ابتلعهم البحر، وأولئك الذين لم يطرقوا الخزان، وقضوا أملا بالوصول للأمان.
الماسأة أننا نشاهد كل ذلك من دون أن تهتز فينا حواس إنسانية، تكلست وباتت مفقودة منذ زمن، بعد أن تعودنا على مشاهد مجازر ترتكب من دون أن ننطق، وأطفال يقتلون من دون أن تتحرك فينا قيم إنسانية، وأخوة كنا ندعيها.
منذ اليوم، من المعيب أن نقول إن ألمانيا وغيرها من دول أوروبا بلا قلب، فما قالته أوروبا كان واضحا، بينما مايزال بعض دولنا العربية والإسلامية، ترفض وتمنع وجود ولو لاجئ سوري أو عراقي واحد، على أراضيها، تغلق في وجههم الحدود، ترفضهم، تعتقلهم، تعيدهم من حيث جاؤوا، وبعضها يشارك في قتلهم.
يا سادتي، يكفيكم ما جرى حتى الآن، يكفي تعصبات قبلية، يكفي فسادا استشرى في العراق مثلا حتى باتت رائحته تزكم الأنوف، لدرجة خروج الناس رفضا له، يكفي التعلق بثياب مرجعيات دينية، وميليشيات شعبية، تقتل على الهوية. يا سادتي يكفي ما جرى في سورية حتى اليوم، يكفينا دمارا، وكيل تهم لهذا الفريق أو ذاك، يكفيكم تشتتا، وتفرقا وهوانا.
يا سادتي، أما آن لبعضكم فتح أبوابه، ولو قليلا للاجئين، كما فعلت ألمانيا؟ أما آن لكم ان تستثمروا أموالكم ولو لمرة واحدة فقط، في عمل إنساني، وليس في صفقات سلاح؟!
يا سادتي، النائمين كأهل الكهف، استذكر ما قاله الشاعر نزار قباني، وكأنه يتحدث عن حالنا اليوم: "سامحونا.. إن تجمعنا كأغنام على ظهر السفينة.. وتشردنا على كل المحيطات سنيناً.. سنيناً.. لم نجد ما بين ثوار العرب.. ثائراً.. لم يغمد السكين فينا.. سامحونا إن هربنا.. ما شربنا مرةً قهوتهم إلا اختنقنا.. ما طلبنا مرةً نجدتكم إلا خذلنا".
(الغد 2015-09-07)