في ذكرى «أوسلو»: ما أوهمونا به.. وما أصبحنا عليه!

اليوم، يُكمل اتفاق اوسلو عامه الـ»22»، دون ان يتذكره أحد، او يترحّم عليه، بعد ان شكّل بالفعل الاعتراف الفلسطيني «الرسمي»، بحق اسرائيل في اغتصاب فلسطين ومنحها الشرعية التي طالما افتقدتها، رغم الدعم والتأييد الدوليين ورغم ما تتوفر عليه ترسانتها الحربية المُتفوِقة من ادوات قتل واجرام وتنكيل وقمع وتدمير وكل ما يخطر على بال القتلة أن يفعلوه بضحيتهم (اقرأ نقيضهم الوجودي) وكان ان ابتهج الذين «دبّروا» الاتفاق واداروا مفاوضاته بسرّية وتكتُم واطلاق بالونات اختبار عن «احتضار» منظمة التحرير وإغلاق دائرة العزلة من حولها والاستقالات التي ظهرت فجأة بين صفوف لجنتها التنفيذية، وقرب تأبينها وتحويلها الى مجرد حطام وذكرى، هؤلاء...
ابتهجوا عندما «انتزعوا» من اسحق رابين وحكومته «اعترافاً» بمنظمة التحرير (وليس بدولة فلسطينية) وخرجوا على الناس يُفسّرون المُفسّر ويُبشرون بالنصر القريب وبالحرية للشعب الفلسطيني وبعودة اللاجئين (...) وغيرها من الوعود الخُلّبية، التي وجدت - مِن أسف - مَنْ يصدقها ويروج لها ويبني عليها آمالاً، لم تلبث - في اختبار النتائج - ان تهاوت وسقطت بعد أقل من خمس سنوات على ذلك اليوم الحزين (13 ايلول 1993) الذي جرت حفلة تسويقه اعلامياً وتكريسه سياسياً واضفاء الشرعية عليه، في حديقة الورود بالبيت الابيض الاميركي، حيث استلحق بيل كلينتون نفسه, ليكون عرّاب (دفن) الاتفاق والتواطؤ لافشاله وليس لتنفيذه او دعوة اسرائيل الى الالتزام ببنوده، رغم كل الاجحاف الذي ألحقه بالشعب الفلسطيني، والذي كان لسوء الحظ ومكر الاعداء-فلسطينيو المنظمة - هم من قارفوا هذه الجريمة بحق شعبهم الذي لم يبخل عليهم بالدعم والتأييد ورفد مقاومتهم بالشباب والمتطوعين والاموال والتفهم لمناوراتهم واحبولاتهم الاعلامية والسياسية والتي لم تتوقف ذات يوم او ذات مرحلة.
ما علينا..
على أطلال «اوسلو» الاتفاق والملاحق والبروتوكولات، يقف الفلسطينيون اليوم في نظرة الى الاعوام الطويلة التي انقضت على ذلك اليوم, الذي رقص فيه اصحاب اوسلو ورجال المنظمة طرباً بأنهم «نالوا» الاعتراف وباتوا اصحاب شرعية وأن قطار «العودة» (يقصدون عودتهم الشخصية وعائلاتهم بالطبع) قد انطلق, وان الدولة بالفعل باتت على «مرمى حجر», فاذا بكل ما دُعينا للحلم به أو الامل بحدوثه, قد غدا سراباً وأوهاماً, وأن ما كان لدينا من اراض (حتى لو كانت مُحتلة) قد تراجع وتحوّل الى مستوطنات, قيل في وصفها لاحقاً (وعندما بدأ مسلسل الحياة مفاوضات) انها كتل استيطانية لا تستطيع اسرائيل ان تُخليها او تتخلى عن سكانها لاسباب امنية واخرى استراتيجية, وان كل ما تقدمه دولة الاحتلال من «تنازلات» لا يعدو كونه تبادلاً في الاراضي, هي صاحبة الحق في تحديدها جغرافياً.
السنوات الخمس الاولى على الاتفاق الذي كان يُفترض فيها ان تنتهي المرحلة الانتقالية, كي يتم الانتقال الى «صيغة الدولة», تم شطبها واستأنف المحتلون ماراثون المماطلة والتسويف, بل نجحوا في ايقاع المفاوض الفلسطيني (الساذج والفهلوي والضحل في القانون والمناورة) واستدراجه للتوقيع على اتفاق باريس الاقتصادي, الذي اجهز على الاقتصاد الفلسطيني الهش والضعيف «والمربوط» قسراً باقتصاد الاحتلال الاقوى والاحدث والانجع, ما زاد من ارتهان سلطة اوسلو وارغامها على توسل الاحتلال والخضوع لشروطه, كي تحصل على عائداتها من الجمارك والضرائب, وليستعملها الاحتلال وسيلة للابتزاز والحصول على المزيد من التنازلات, الجوهري منها والمعنوي.
هل نتحدث عن تقسيمات اراضي الضفة بين «A» التي هي «إسمياً» خاضعة أمنياً وإدارياً للسلطة, ام المنطقة «B» الخاضعة ادارياً للسلطة وامنياً لاسرائيل, أم تلك المُصنفة «C» حيث لا علاقة للسلطة بها امنياً أو ادارياً. وهي تشكل 60% من مساحة الضفة وتتركز فيها غالبية المستوطنات, بل ثمة دعوات اسرائيلية يمينية متطرفة يمثلها حزب البيت اليهودي بزعامة الوزير المُستوطن نفتالي بينيت, تدعو الى ضم المنطقة «C» ومنح الجنسية الاسرائيلية لسكانها (وهم بالمناسبة لا يُشكلون نسبة تذكر مقارنة بعدد سكان الضفة).
يطول الحديث عن الجريمة المُسماة «اتفاق اوسلو» وولهذا لم يعد الحديث يدور حول ذكراه البائسة, لأنه بالفعل كان خطيئة كبرى وجريمة موصوفة بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف, وكل ما يقال عن عودة ربع مليون فلسطيني من مسؤولي المنظمات والفصائل الاخرى وعائلاتهم, ليس سوى ذر للرماد في العيون وخصوصاً في القول ان قيام السلطة «مكسب» للشعب الفلسطيني لا يجوز التفريط به..
أيها المقتنعون بأوسلو وخيباته.. اتلوا مزاميركم على غيرنا.
(الرأي 2015-09-13)