معلومون ومجهولون في الصحافة

المعلومون في الصحافة هم كتّاب الأعمدة وأكثرهم من الأدباء الذين يوظفون مقدرتهم اللغوية على التعبير باللغة العربية لاقتحام عالم الصحافة. كتاب الأعمدة في عصرنا يلعبون الدور الذي كان يلعبه شعراء القبيلة في الماضي، أي امتداح هذه الجهة والغمز من قناة تلك، تأييد هذا الاتجاه ومعارضة ذاك، تلميع هذا المسؤول أو تشويه صورة آخر.
والمجهولون في الصحافة هم المراسلون والمندوبون الذين يعملون في الميدان، ويجمعون الحقائق والأخبار، ويقدمونها إلى الرأي العام لمساعدته في تكوين رأي واتخاذ موقف. المندوب أو المراسل ليس خالياً من الانحياز كإنسان ومواطن، ولكنه كصحفي محترف مطالب بتقديم الأخبار والحقائق كما هي، بحيث لا يستطيع القارئ أن يستنتج نوعية انحياز الصحفي وموقفه الشخصي من الأحداث.
كتّاب الأعمدة محظوظون، فهم يطلون على الرأي العام باعتبارهم خبراء في السياسة والاقتصاد والفنون والثقافة، وهم الفئة من الصحفيين الذين يتمتعون بالشهرة، ويتلقون الدعوات للمشاركة في مختلف المناسبات، ويحصلون على أعلى الرواتب والمكافآت، مع أن أكثرهم ليس ملتزماً بدوام، وليس متفرغاً للمهنة.
أما المراسلون والمندوبون الصحفيون والعاملون في المطبخ الصحفي فهم جنود مجهولون، فلا يقدّرهم القراء حق قدرهم، وكأن المندوب مجرد ناقل لا فضل له ولا رأي، ويقع أكثر هؤلاء في أدنى درجات السلم الصحفي عندما يتعلق الأمر بالرواتب والمكافآت، بالرغم من تفرغهم للعمل، ومواجهة الصعوبات الميدانية، والبحث المستمر عن السبق الصحفي، وهو الإنجاز الأكبر في عالم الصحافة.
لأمر ما فإن صحفنا اليومية مكتظة بالأعمدة التي يعرف رؤساء التحرير قبل غيرهم أنها لا تجد من يقرأها. ويصل عدد الأعمدة في الصحيفة الواحدة إلى أكثر من 15 عموداً في بعض الأيام، فلا عجب إذا أعرض القراء عن معظمها.
المراسلون والمندوبون هم عيون وآذان المجتمع، مهمتهم نقل الصورة بنزاهة وعدالة، ومن خلالهم تتدفق المعلومات وهي تمثل الدورة الدموية في الجسم الديمقراطي، ومن حق هؤلاء أن ينصفهم المجتمع ويعترف بدورهم، وأن تنصفهم صحفهم مالياً ومعنوياً، ذلك أن أشهر صحفيي العالم هم من المراسلين والمندوبين وليسوا من كتّاب الأعمدة.
(الرأي 2015-09-24)