صلاة في محراب القدس

يرابطون هناك، بعزم لا يلين، يجابهون قنابل الغاز ومتاريس الحديد، لسان حالهم وصرختهم واحدة، يرددون القدس لنا، وﻻ قدس لكم، الأقصى لنا، وﻻ هيكل لكم، البراق لنا وﻻ مبكى لكم، الارض لنا وﻻ ارض لكم، الشجر والحجر والثمر لنا، وﻻ أثر لكم، الماء والبحر والسماء والقمر والنجم لنا، وﻻ أفق لكم، القيامة لنا وﻻ قيامة لكم، المهد لنا وﻻ مهد لكم، المعراج لنا وﻻ معراج لكم.
الصدق لنا والكذب لكم، الحق لنا والباطل لكم، النهر والبحر لنا، وﻻ وطن لكم، التين والزيتون والعنب لنا، وﻻ شجر لكم، الخليل ونابلس والناصرة وحيفا ويافا وغزة وبئرالسبع وعكا والرملة واللد لنا، وﻻ مدن لكم، القدس عاصمتنا، وﻻ عاصمة لكم.
يرددون شيبا وشبابا، رجالا ونساء، أطفالا في المهد، وأسرى خلف القضبان يقولون، نحن واقع، وأنتم باطل وافتراء، نحن حقيقة، وأنتم سراب، نحن أصحاب الارض كابرا عن كابر، وابا عن جد، وولدا عن ولد، وانتم لصوص أرضنا ومائنا وشجرنا وتراثنا، يؤمنون ان فلسطين كل فلسطين لهم، وأنتم فاشيون، قاتلو الاطفال، سافكو الدماء، ناكثو الارض، سارقو البحر والشجر.
في القدس مرابطون صامدون بعزيمة صاحب حق لا يهادن، يرددون في وجهكم قائلين، لن تنفعكم أكاذيبكم، لن تغيروا تاريخ واقعنا، هذه الارض سقيناها بدماء الاجداد عبر آلاف السنين وهي لنا، هي أصلنا، هي روحنا، سنخرجكم منها، وان طال الزمن، زمانكم قد يكون الآن، ولكن زماننا في كل الاوقات، أنتم موجودون الآن بفعل قوة سلاحكم، ونوم وتخاذل عرب باتت قلوبهم عليكم أكثر مما هي علينا، ولكن رغم ذاك نحن موجودون في الدقائق والساعات، وسنخرج لكم من خلف الجدار، من خلف الشجر والحجر، ومن تحت باب الدار، سنكون كوابيس احلامكم، وبعبع جيوشكم، لن تطيلوا البقاء، فمقامكم زائل وإرثكم ضائع، وحقكم باطل، وكذبكم فاضح.
في الأقصى هناك من يؤمن ان في القدس، الخليل، الناصرة، وفي كل مكان لهم اثرا، وفي كل زواية لهم حجر، وتحت كل أرض لهم وتد وعمد، وعند كل بحر وقطرة ماء لهم مسلة وفأس، وجرة ودلو واثر.
هناك مرابطون عند كل باب، وعند كل زاوية في مسجدهم، لسانهم واحد وهتافهم واحد، يقولون لمستعمرهم وقاتلهم وسالب ارضهم، انتم سارقو كرومنا وأحلام أطفالنا، سارقو البرتقال من مرابعنا، والتين والزيتون من بياراتنا، أنتم سراب ونحن حقيقة، أنتم ظلام ونحن واقع، انتم قتلة ونحن بشر، انتم نازيون وكذبة، فارحلوا، قد لا ترحلون حاليا، ولكنكم سترحلون وان طال المقام، سترحلون وان زاد الالم، فالارض تلفظ مغتصبها، تلفظ قاتل أوﻻدها قالع شجرها سارق مائها، سترحلون وان طال الامد، سترحلون وأن زاد العدد سترحلون عن هذا البلد.
أرحلوا وﻻ يغرنكم انفكاك العرب، وسيوفهم الخشب وكلامهم الممل في الخطب، وتعدد الالم، وإضاعة الهدف، سترحلون لان هناك شعبا يؤمن بحقه في أرضه، وﻻ يبدلها بالذهب، شعب يرابط على باب قبلته الأولى، ومسراه وقيامته ومسجده، ولا يهمه ضياع العرب.
هناك في القدس شعب صمد ورابط وقاوم الطلقة بالحجر، يعرف ان طريق القدس لا تمر ببغداد او اليمن او ليبيا او الحسكة والرقة ودير الزور ودمشق، كما كانت تمر يوما بكابول، شعب يعرف أن طريق القدس واضحة، وأن كل بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة.
في القدس شعب يعرف يقينا أن القدس له، كما يعرف أن ﻻ هيكل وﻻ مبكى ولا حجر هناك لكم، فابحثوا عن هيكلكم بعيدا، وارحلوا وخذوا معكم كل من آزركم، وكل من تآمر معكم سرا وعلنا، وارحلوا.
(الغد 2015-09-28)