فقراء أكثر وسط تصاعد الصراعات

يبدو أن الجهود الأممية أخفقت في تحقيق مرادها بخصوص القضاء على الفقر، فلم يتسن لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الوصول إلى هدفه الذي أعلنه مطلع الألفية الجديدة بمحو آثار الفقر في العالم قبل العام 2015.
قبل أربعة أعوام، كان هناك أكثر من مليار شخص يعيشون بأقل من دولار يوميا، بينما كان العدد مليارين ومئتي مليون شخص في العام 1990. وهو ما يعني أن الفقر المدقع يشهد تراجعا نسبيا، لكنه يبقى ضمن معدلات مقلقة، ناهيك عن مستوى الفقراء خارج دائرة الفقر المدقع.
ورغم الإخفاق الأممي، فقد أعلن البنك الدولي مؤخرا أن هدف القضاء على الفقر المدقع على مستوى العالم سيتم بحلول العام 2030؛ إذ تم تمديد الهدف السابق لخمسة عشر عاما جديدة. وثمة معايير سيتم الكشف عنها الأسبوع المقبل من قبل "البنك" للمضي في هذه المواجهة المفتوحة مع الفقر، غير أن هناك تغييرا أساسيا في خط الفقر المدقع الذي تم اعتماده قبل عشر سنوات، وهو ان الفقير الذي يجني أقل من دولار وربع الدولار في اليوم سينتقل إلى مستوى أوسع تبعا للغلاء والتضخم المتفاقم في دول عديدة، وهذا المستوى الجديد يقضي بأن من يعاني من الفقر المدقع هو من يجني 1.92 دولار في اليوم. وهذا يعني أن يزيد عدد الفقراء بمقدار 150 مليون فقير، ناهيك عن الزيادات الاعتيادية في نسبة الفقر تبعا لتغيرات أسعار الغذاء والغلاء؛ وبما يعني أيضا أن عدد الذين يجنون أقل من دولارين في اليوم سيرتفع إلى أكثر من ملياري شخص حول العالم، أي إن الهدف الجديد للمؤسسات الأممية بخصوص القضاء على الفقر المدقع بحلول 2030 سيكون محض خيال في ظل عدم القدرة على تحقيق اختراق نوعي في هذه المواجهة الصعبة.
وفي ظل صمت المجتمع الدولي على الحروب التي تندلع في قارتي آسيا وأفريقيا، فإن تداعيات هذه الصراعات تزيد من معاناة الفقراء، كما تزيد أعدادهم وتجعل عتبة الفقر هشة وقابلة للاتساع يوما بيوم.
وفي العالم العربي الذي يزيد عدد سكانه على 350 مليونا، فإن أثر الصراعات ماثل في فقرائه بشكل كبير. إذ إن الحرب في سورية شردت ملايين السوريين، وجعلت أكثر من ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر. كما أن الحرب الدائرة في العراق -وهو من أهم الدول المصدرة للنفط- جعلت 19 % من أبنائه فقراء، ناهيك عن التشريد والفساد اللذين عصفا بما تبقى من السكان. وفي لبنان، تزيد القلاقل في هذا البلد الصغير بفقرائه الذين يشكلون 29 % من السكان. أما اليمن، فقد مني بضربات اقتصادية ساحقة في العام الأخير، لاسيما بعد سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء؛ إذ أصبح نحو 80 % من سكانه تحت خط الفقر، وفقا لبيانات الحكومة اليمنية في عدن.
المواجهة الأممية لمحو الفقر ينقصها الكثير؛ فثمة عجز في المشاريع الاقتصادية، يقابله عجز أكبر بالصمت على الاقتتال، لاسيما في أفريقيا وعدد من الدول العربية. والمأمول أن تكف المؤسسات الدولية عن تحديد جداول زمنية للقضاء على الفقر، بينما لا يقوم "المجتمع الدولي" بما عليه أخلاقيا وسياسيا وأمنيا.
(الغد 2015-09-29)