خطاب كراهية يسكن بيوتنا

قبل أيام استفتت محطة فضائية محلية، مشاهديها، حول رؤيتهم إن كانت وسائل الإعلام، بكل تصنيفاتها، تحارب الإرهاب والتطرف ورفض الآخر، أم أنها تساهم فيه.
النتيجة كانت متوقعة. 75 % ممن أدلوا بآرائهم بالاستفتاء "غير العلمي" اعتبروا أن وسائل الإعلام ساهمت في رعاية الإرهاب والتطرف، ورفض الآخر، وإذكاء روح المذهبية والفئوية والطائفية، ولم تنجح في الحد منها.
ما توصل إليه المُستفتى آراؤهم، منطقي، ولا تحتاج للاقتناع به، سوى القبض على "ريموت" التلفزيون، وتقليب قنوات قمر "النايل سات"، للتأكد كم نحن مأزومون، فكريا ومذهبيا وعلميا وعقائديا، وكم نحن سوداويون، نرفض الآخر، ونستحضر المبررات للتشكيك به. وكم نحن ظلاميون بالتفكير والممارسة.
هي صدمة، شعرت بها وأنا أقلب قنوات التلفزيون، بحثا عن ترددات جديدة، ويا ليتني لم أبحث، لكي لا أرى حجم الكارثة الإعلامية، التي تسكن بيوتنا، والتي وصلنا إليها، ومدى انحطاط مستوى اللعب بالمشاعر، والعزف على أوتار طائفية ومذهبية، لا تخدم إلا أصحابها، وتساهم في تفتيت المجتمعات.
أول ما أستوقني أثناء البحث، قناة تلفزيونية، أحسبها عراقية، ظهر فيها شخص ملتح، يلبس عباءة ويعتمر كوفية بيضاء، وصيحات سيدات واقعات أرضا، وهو يأمر الجن بالخروج منهن! لا غرابة، فالقناة مخصصة لاستخراج الجن! والأنكى أن حالة التمثيل ظاهرة على الشيخ الدعي، وعلى السيدات الواقعات أرضا.
قفزت لذهني أسئلة لا تنتهي حول سبب بث مثل تلك القنوات على قمر فضائي عربي، وعدم اعتراض إشارة تلك المحطات، التي تبشرنا وتطلب منا أن نؤمن بخزعبلات، غير واقعية، بعيدة كل البعد عن ديننا الحنيف، وعن مفاهيم العلم التي حض عليها الدين.
واصلت تقليب قنوات التلفاز، فكانت الصدمة أكبر على قمر "نايل سات" نفسه. فعلى محطة اخرى يظهر شيخ يجلس متربعا أرضا، يتلقى اتصالات، إلى هنا الأمر عادي وطبيعي، ولا غبار عليه، ولكن أن تكون القناة والشيخ والمتصلون به، موجودين فقط لشتم صحابة وشخصيات عاشوا قبل 1400 عام، فإن ذاك هو عين المشكلة وسبب الداء والبلاء.
سألت نفسي عن سبب بقاء قناة الفتنة تلك، لتبث على قمر يشاهده كل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا! ولماذا يسمح لقنوات الكراهية والفتنة والطائفية والمذهبية، ببث سمومها وزيادة الشحن المذهبي والطائفي بين الناس.
استذكرت أن إدارة "النايل سات" طردت كل قنوات الإخوان المسلمين المصرية من محيط بثها، وأنزلت كل إشاراتها عن التردد، وأقفلت عليهم الفضاء، فلماذا تبقى مثل تلك القناة، تبث سمومها وأحقادها ونسمعها؟! ولماذا لم يتم اتخاذ إجراءات بحقها؟ أقله إزالة إشارتها.
من المفترض أن يكون ما يبث عبر قمر "نايل سات" يرضي الذائقة والأسرة العربية، بشكل عام، لا أن يزيد من وتيرة الاحتقان المذهبي، فخطر مثل تلك القنوات يزيد مئات المرات، عن خطر القنوات الفاضحة اخلاقيا التي يمنع بثها عبر هذا القمر، فلما السكوت والصمت؟!
وقبل أن أقفل دورتي على القمر الفضائي عينه، صدمتني قناة أخرى، أعتقد أنها خليجية، بدا لي أنها ترد على قناة "أهل البيت"، وبطبيعة الحال تحفل تلك الردود بحفلات شتم، ليس للصحابة، وانما تكفيرا لمذاهب معينة، وتعزيزا لفكر كراهية الآخر، إلى حد الدعوة لقتلهم!
شخصيا، لا أرى مبررا أو دورا توعويا تنويريا في بقاء تردد فضائي إعلامي، مهمة القائمين عليه شتم شخصيات إسلامية عاشت قبل مئات السنين، ولا أعتقد أن الذهاب بهذا المنحى من شأنه إعادة التاريخ للوراء، أو صناعة تاريخ جديد، اللهم إلا زيادة الاحتقان المذهبي والطائفي بين أطياف الدين الواحد.
هي صرخة، لعل وعسى تجد لها صدى، وننقي إعلامنا من أقزام امتطوا صهوته عبر الفضاء، ونخرس تلك الأصوات اللاأخلاقية، وهي دعوة لكي لا نبقى ندور في فلك أحداث تاريخية، أكل عليها الدهر وشرب، ولانملك تغييرها راهنا، ولكننا نمتلك خلق حالة وعي مجتمعي عبر الإعلام، بعيد عن الاصطفافات المذهبية.
(الغد 2015-10-19)