المرجعية والدين والسياسة وسطوة إيران في العراق

تم نشره الأربعاء 21st تشرين الأوّل / أكتوبر 2015 01:04 صباحاً
المرجعية والدين والسياسة وسطوة إيران في العراق
ياسر الزعاترة

مرّ خبر اغتيال خمسة (وقيل تسعة) من نشطاء الحراك الشعبي في العراق قبل شهور قليلة مرور الكرام. لم يتحدث عنهم خطيب “المرجعية” في النجف، ولم يتوقف عنده أي من السياسيين؛ لا الشيعة ولا السنّة، كأنما هم عملاء جرت تصفيتهم في سياق ثورة شعب، فلماذا كان هذا التواطؤ على دمهم، وهم بطبيعة الحال من الشباب الشيعة، وليسوا من السنّة؟ جريمة أولئك النشطاء هي “تطاولهم” على ما بات يعرف بـ”المرجعية” الدينية، ممثلة بطبيعة الحال بالمرجع السيستاني، لا سيما بعد أن جرى تثبيت المصطلح له وحده بعد أن مرّ زمن كان فيه مرجعا، وليس المرجعية، حيث كان يجري الحديث عن المراجع الأربعة الكبار في النجف، الأمر الذي انتهى إلى غياب الثلاثة وبقائه وحيدا في المشهد، حتى أن الإعلام الإيراني بات يستخدم ذات المصطلح رغم ما ينطوي عليه من تشكيك بمرجعية الخامنئي الذي يُفترض أنه مرجع يجمع “الخُمس”، فيما يعلم الجميع أن أحدا لا يدفع له، ربما باستثناء بعض الإيرانيين، فيما تدفع الغالبية الساحقة من شيعة العالم “خُمسها” للسيستاني، حيث كان آخر منافسيه هو السيد محمد حسين فضل الله الذي توفي قبل سنوات. في السنوات الأولى للاحتلال، لم يحصل السيستاني على الهالة التي له الآن، وكان للتيار الصدري صولات وجولات معه، بل هتف عناصرها ضده، وسمّوه “المرجعية الصامتة”؛ سخرية بالطبع، لكن بمرور الوقت، تمكنت إيران وأتباعها من فرضه مرجعا وحيدا في العراق، حتى إن التيار الصدري نفسه بات يتحدث عن “المرجعية” مثل الآخرين، رغم أن مقتدى الصدر يعتبر أنه بلغ المرتبة بعد أن أتم شروطها، وإن لم يعترف له بها كثيرون. في بداية الحراك، هتف الشبان ضد تلك المرجعية، وبتعبير أدق؛ ضد كل المراجع والأحزاب الدينية الشيعية، وكان الشعار الأكثر انتشارا هو “باسم الدين باكونا الحرامية”، أي سرقونا أو خدعونا، وهو ما كلف أولئك النشطاء الخمسة حياتهم، ومرّ قتلهم كما أسلفنا كأن شيئا لم يكن. منذ أسابيع، وفي كل جمعة تقريبا، يتحدث ممثل المرجعية عن “رؤوس الفساد”، ويطالب العبادي بأن يبدأ بها، لكن ممثل المرجعية لا يلمِّح لتلك الرؤوس، التي لا يمكن إلا أن يتصدرها المالكي الذي سيطر على البلد سنوات طويلة، وصاغها على هواه. والسؤال هو: هل يجرؤ العبادي، أو حتى المرجعية ذاتها على اتهام المالكي، وهو الذي يحظى بالحماية الإيرانية؟ كلا بكل تأكيد، ما يعني أن دور المرجعية لن يتجاوز الإيحاء بأنها تقف مع الحق وضد الفساد، من دون أن يكون لها دور حقيقي في مواجهته خارج سياق الوعظ. ثم إن الخراب الذي زرعه المالكي في العراق يتجاوز الفساد المالي، إلى رهن ثروات البلد لعقود بعد تفجيره لدوامة عنف رهيبة بسبب طائفيته المدعومة من إيران، فهل تجرؤ المرجعية على أن تقول ذلك في العلن؟! كل ذلك يشير إلى أن هتافات المتظاهرين ضد من “باكوهم”، أي سرقوهم أو خدعوهم باسم الدين، كانت صحيحة، والمرجعية جزء من هذه اللعبة شاءت أم أبت، وحين يختبئ خلفها الفاسدون، فهذا تأكيد آخر. ألم يسمع الجميع رأس الفساد؛ نوري المالكي وهو يطالب بالالتزام بتوصيات المرجعية، كما يطالب بضرب الفاسدين بيد من حديد!! الجانب الآخر في حكاية المرجعية يتمثل في أن هناك نصف آخر في البلد، وهم العرب السنة والأكراد لا يرونها ممثلة لهم، ما يعني أن هناك فرضا لهوية مذهبية على البلد بغير وجه حق، فضلا عن كون تدخل المرجعية في الشأن السياسي يتناقض مع مدنية الدولة التي يزعمها القوم إياهم. كل ذلك يشير إلى ضرورة أن تتوقف تلك المرجعية بشكل كامل عن التدخل في الشأن السياسي. وفي بلد مدجج بالتناقضات مثل العراق لا يمكن أن يكون فرض مرجعية مذهبية عليه حلا، بقدر ما سيسهم في مزيد من الاحتقان الطائفي بدل تنفيس الموقف وتكريس الدولة المدنية التي لا تفرق بين أبنائها على أساس من عرق أودين أو مذهب.

(الدستور 2015-10-21)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات