الذاكرة الرَّمْلّية

تم نشره الأربعاء 21st تشرين الأوّل / أكتوبر 2015 01:02 صباحاً
الذاكرة الرَّمْلّية
خيري منصور

دعاني صديق عربي وهو طبيب مثقف الى سهرة في مدينته، لم اكن اعرف مناسبتها أو أي شيء عنها، ثم فوجئت بأنها تضم العشرات من أبناء جيله ومنهم من كانوا زملاءه في المدرسة الابتدائية وبعد ذلك في المدرسة الثانوية والجامعة، وفي البداية وقفوا جميعاً دقيقة حداد على زملائهم الذين رحلوا، لكن المفاجأة بالنسبة لي كانت حضور أطباء من خارج البلاد، ومنهم من جاء من استراليا تلبية للدعوة وهناك من جاؤوا من لندن وباريس ونيويوك والكويت والإمارات، ولم أصدق بادىء الأمر أن من كانوا يتقاسمون المقاعد الخشبية المتقشفة في مدارس القرى قبل نصف قرن هم الذين تقاسموا تلك الليلة الدافئة، وكان بينهم نساء حضر معهن أزواجهن، ولأني كنت الوحيد خارج السّرب فقد حاول مضيفي الاهتمام بي كي لا أشعر بالغربة وسألني عدة مرات عن سبب صمتي حتى وأنا اسمع من النّكات ما يضحك الحَجَر! وكنت مستغرقا في تذكر أبناء جيلي بدءاً من مدرسة القرية الابتدائية، فأنا لم التق أحداً منهم منذ عشرات السّنين، ولا أعرف من مات منهم ومن هو الآن على قيد الحياة، واكثر ما اثار شجني هو أن أحداً منّا لم يفكر ذات يوم بما فكرّ به صديقي الطبيب، وخطرت ببالي أسباب عديدة لا استطيع أن أجهر حتى بواحد منها ! ذلك لأن لي زملاء في المهنة تبعد بيوتهم عن بيتي أقل من كيلو متر واحد التقيت ببعضهم في بكين وبآخرين في دبي، ومنهم من التقيته صدفة في فرنسا أو موسكو خلال مهرجان أو فعالية ذات صلة بمهنتي. فما الحكاية؟ وهل الأمر يخصني وحدي أم يشملنا جميعاً، الاجابة سمعتها قبل كتابة هذه السطور من آخرين قالوا إنهم يحملون الاسئلة ذاتها ويستغربون من هذا التباعد النفسي والثقافي رغم التقارب الجغرافي . انها الذاكرة الرّملية التي لا تؤتمن على دمعة أو قطرة ماء، قد يقول البعض ان الحياة الحديثة أدت الى هذه العزلات وعندئذ لا أجيبه بل اترك لصديقي الطبيب الاجابة وهو الاكثر انشغالاً في مهنته شأن بقية زملائه، لقد ايقظت تلك الليلة شجونا كانت هاجعة، فأين هم سبعة وثلاثون تلميذاً كانوا معي في صف واحد، واكثر من ألفٍ كانوا معي في الجامعة ذاتها؟

(الدستور 2015-10-21)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات