لبنان: طوفان «النفايات».. أو عندما تفشل الحكومات!

مُحزن وباعث على الغضب، ذلك المشهد المُرعب والمُخجل في الآن ذاته، الذي شاهدناه على شاشات التلفزة اللبنانية، عندما اجتاح طوفان «الزبالة» شوارع العاصمة الجميلة والشهيرة والمثيرة...بيروت، بعد اول «شتوة»، ما أثار ردود فعل غاضبة على الحال المزرية التي وصلت اليه الخدمات والبنى التحتية والمرافق العامة وبخاصة الخلافات السياسية والشخصية وحملات التشكيك والتخوين وخصوصاً ثقافة اللامبالاة، التي باتت تُهيمن على قطاعات واسعة من المُشتغلين في الشأن العام، ومَنْ حازوا على عضوية نادي النُخب السياسية وتلك الحزبية او رهط المحسوبين على السفارات وحَمَلَة الجنسيات الاجنبية، التي اخترقت المجتمعات العربية وبخاصة تلك التي ظنّت انها حصينة على الاختراق وعصية على الخضوع، فاذا بما كنا نراه «نموذجاً» بات في المقلب الآخر، معطوباً وباعثاً على الأسى والحزن ودائماً...الغضب.
لا تختلف حال لبنان عن حال معظم، إنْ لم نقلْ «كل» البلاد العربية، بهذا الشكل او ذاك، بعد ان تفككت عُرى الرابطة القومية، وباتت مُثبِتات الهوية الدينية ممزقة وبالية في ظل إصرار البعض المُتزمِتْ والمُتطرِفْ وصاحب المصلحة في الفُرقة وفي الوقوع في فخ الفتنة، على اثارة كل النوازع المذهبية والطائفية، ولا ضيْر في التخفي او الاستعانة بالهوية العِرقية، مُستخدِماً كل ما لديه من طاقات و»أسلحة» تحريض وشحن كي ينقل الخلافات من دائرة الحوار والنقاش، الى دائرة المواجهة المذهبية بين السُنّة والشيعة، فيما لا يُقيم وزناً لشراكة او اعترافاً بالآخر الوطني، ما بالك بأصحاب الديانات الأخرى الذين باتوا وبخاصة الشريك الوطني «المسيحي»، عُرْضة للتصفية والسحل والاضطهاد، ودائماً ضحايا التهجير والسبي والفتك.
ما علينا..
ما حدث يوم الأحد «الأسود» في بيروت، كشف كل المستور (وهو قليل بالمناسبة، بعد ان لم يعد هناك ما يوصف بالمستور، لأن كل شيء تحت الأضواء) وعَرّى النُخبة السياسية والحزبية، وأسهم في «كُفْرِ» اللبنانيين بأي امكانية لرأب الصدوع وتراجع اصحاب القرار عن حال اللامبالاة وتهافت السجالات والمناكفات، الدائرة بين ما يوصفون بالموالاة والمعارضة, بعد أن انهارت المؤسسات وتخلى الجميع عن المسؤوليات، ولم يبق شيء يمكن وصفه بأنه ذخر وطني, اللهم الا تحدثنا عن حال الأمن «الممسوكة» حتى الان, بعد أن اتفق الجميع ضمنياً (ودونما اعلان) على أن «الارهاب» اياً كان مصدره وهويته ومذهبه, هو الخطر الذي سيطيح الصيغة اللبنانية المتصدعة والآيلة للسقوط..اصلاً.
فضيحة طوفان النفايات, أيقظت الهواجس بامكانية دخول لبنان الى نفق الفتنة والفوضى, لأن الاتفاق على ملف «خدماتي» كهذا بات مُتعَذَراً, فكيف يمكن بالفعل التوصل الى توافقات حول ملفات اكثر خطورة واكثر جدية وتأثيراً على معادلة الاصطفافات والتحالفات في لبنان, اذا ما حان وقتها أو باتت الحاجة ملحّة الى ايجاد حلول لها، كمسألة الشغور في منصب رئاسة الجمهورية المتواصل فصولاً, منذ عام ونصف العام، ولا يلوح في امكانية الخروج من ازمته المتفاقمة, ناهيك عن «تعطّل» مجلس النواب وانعدام الامكانية او الرغبة في عقد جلساته، حتى تلك التي يمكن وضعها تحت بند «تشريع الضرورة» أو المُستعجَل، المُتعلق بالخدمات او الصرف المالي حيث قال وزير المالية (على سبيل المثال) أن الشهر المقبل لن تكون هناك رواتب لموظفي القطاع العام؟
ازمة لبنان المتفاقمة والمرتبطة أو التي يراد ربطها من قبل فريق 14 اذار على وجه الخصوص بما يحدث في الاقليم من تطورات وخصوصاً مآلات الازمة السورية وتداعياتها المستجدة بعد الانخراط الروسي المباشر فيها, مُرشحة لمزيد من التوتر والاحتقان، اذا ما نفّذ رئيس الحكومة تمام سلام تهديده بالاستقالة يوم بعد غد الخميس، في حال لم يتم اقرار خطة حل ازمة النفايات «الجديدة» التي اقترحها أحد وزرائه, ما بالك اذا ما بتنا أمام تهديد اكثر خطورة وكلفة, لوّح به رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد مجلس النواب جلسته المقبلة بـِ (مَنْ حضر) ما يعني نسف أي امكانية للتجسير على الخلافات أو التوصل الى حلول وسط، تُلبي مطالب الفريقين المتمترسين في خنادق مُتقابلة.
فضيحة طوفان «الزبالة» في لبنان (حدث هناك مثلها في مدينة الاسكندرية المصرية، ولكن بشكل اقل وطأة-ومصرع 6 مواطنين-ما أدى الى استقالة محافظة المدينة) تُضاف الى سلسلة الازمات و»ماراثون» الفشل الذي حصدته معظم الحكومات العربية، التي ترتفع مديونيتها ويَنْخُرُ الفساد أُسسها، وتنهار فيها الخدمات والمرافق العامة وتتعمق فيها أزمات البطالة والفقر، وتزداد عمليات الاقدام على الانتحار وتتغول فيها اجهزة الامن، وتتباعد الهوة بين المواطنين وحكوماتهم، وتكاد مسألة الانتخابات «النزيهة»، هي «النكتة» التي لا تتقادم أو تختفي من المشهد العربي «المنحط».. الراهن.
عظّم الله..»أجوركم».
(الرأي 2015-10-27)