أبو يوسف العفيان

في حارة سمخ ومن الجانب المرتبط مع حارة السكران كانت دكان صغيرة هي جزء من حديقة منزل أبو يوسف العفيان ، بعدها بوابة المنزل التي توصل عبر الحديقة إليه وفيها بضعة شجرات إحداها شجرة مليسة ، وهذه لطالما سطونا على بعض من أوراقها كلما أتيح الدخول لأي سبب بغية إضافتها للشاي ، ثم بعده بيت ابنه علي وقد سكنه لفترة قبله أبو جهاد الشواهين قبل أن يعود سكان الغور لديارهم في الشونة الشمالية وما حولها بداية السبعينيات من القرن الماضي.
بعد الدكان كان منزل ابو زيد وأبو هاني الطشلي ثم أم راتب وهذه منقبة ولافته لانزوائها ، وقيل نقلا عنها أن بيتها كان اسما على اسمها لجهة الترتيب ومقابله منزل عبنده . في تلك الحارة كانت اسر العرجة ونوفة السمينة جدا وبيوت أخرى صغيرة قاطنيها من كبار السن في الغالب ومتوسطي الحال والفقراء . وحارة سمخ شهيرة في اربد لكثرة المتناقضات فيها.
أبو يوسف خصص دكانه كمحل سمكرة لتصليح بوابير الكاز والصوبات وما له علاقة بإعمال السمكرة ، مثل لحام الأباريق المعدنية ودولات القهوة والطناجر الممكن إعادتها للاستعمال وما إلى ذلك من أعمال السمكرة. كان يجلس صباحا على كرسي القش الصغير وأمامه كاونتر العمل وهو بمثابة ورشة هندسة لكثرة ما عليها من ادوات التصليح الموزعة بانتظام تسهل عمله. وأبو يوسف إضافة لفن السمكرة كان متخصصا بصناعة دواء معجون لمعالجة الحروق وكان ناجعا جدا في كثير من الحالات، والظن أن احد أبنائه مازال ينتجه لفائدته الكبيرة.
كان معروفا عن الرجل انه عصبيا وله مزاجه الخاص في التعامل مع الزبائن ، ولطالما طرد الأطفال منهم لكثرة إزعاجاتهم لما كانوا يحضرون له في مهمة تصليح . وقد تميز بالحارة بسرواله الأسود الشامي وشماغه الأبيض وحبه استخدام اللهجة الشامية في تحدثه ، ولم يعرف عن الرجل غير انه من المحترمين في الحي وأولاده بذات القدر.
كانت مضافة أبو خلف السكران المكان الذي يتجمع فيه الكبار مساء لاحتساء القهوة السادة والشاي ، ومن هؤلاء أبو حسين الضامن التاجر في شارع حكما ومن سكان الحي ، والشاعر اليقظان مصطفى السكران، وأبو جهاد الشواهين، وأبو نور الدين السكران، والشيخ عواد، وبطبيعة الحال كان أبو يوسف من الرواد اليوميين للمضافة، وغيرهم كثر يغيبون الآن عن الذاكرة.
المضافة ديوانية لتبادل الحديث والتسلية لسهرة شعبية بين أهل وأصدقاء وأقارب وضيوف، وكان أبو يوسف كما بهارات الطعام فيها لطريقته في الحديث بلكنته الشامية ، وتميز أكثر ما يكون بطريقته لإنهاء نقاش لا يعجبه بعبارة شامية أيضا بالقول « خش في بخ... « ليثير ضحكا وفرفشة تمتع الجلسة أكثر فأكثر. ولو أن أبو يوسف الآن يشارك في جلسة هيئة أو مجلس أو اجتماع كبير لوجدناه بالضرورة مضطرا لترديد عبارته الشهيرة، وهي تنطبق على حال الأكثرية فعلا هذه الأيام.
(السبيل 2015-11-03)