حكومة إنقاذ اقتصادي

تتناقض الرسائل التي تأتي من الحكومة بشأن التعامل مع الوضع الاقتصادي المأزوم لأسباب محلية وأخرى خارجية. فثمة من يبث الطمأنينة ويدعو إلى الارتياح؛ إذ "إننا نحقق نموا برغم الأوضاع المجاورة". فيما هناك من يقول إن اقتصادنا ليس بخير، بما يستدعي وقفة استثنائية. ووسط هذه التناقضات، تبدو الأولويات المتاحة لإنقاذ القطاعات الاقتصادية المختلفة، ملتبسة تحتاج إلى مراجعات جدية.
يذهب رئيس الوزراء د.عبدالله النسور، إلى أن الوضع الاقتصادي "جيد"، بل ويقول إن "أداء الاقتصاد الأردني في أقوى حالاته على الإطلاق". وبتقديري، فإن الوضع ليس جيدا، ويتطلب فريقا اقتصاديا من وزن خاص، يتمكن من إحداث فرق ملموس في قطاعات كثيرة وذات أهمية أكبر في مدى تأثيرها على صعيد العمالة وحجم إيرادات خزينة الدولة. فبعد تشديد الحكومة على عدم إمكانية تجاهل حزمة الحروب في الشرق الأوسط؛ إذ تداهم هذه الأزمات الأردن من الجهات الأربع، فإن الحكومة حصرت المزايا والحوافز التي قدمتها في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وإعفاء بعض المشاريع الاستثمارية، في الوقت الذي تئن فيه قطاعات أخرى، تنتظر مددا حكوميا لم يأت بعد.
في موازاة ذلك، يقول وزير الزراعة د.عاكف الزعبي، للتلفزيون الحكومي، قبل أيام: "إننا في حالة حرب"، في إشارة إلى الحدود المغلقة مع سورية والعراق، كما خسارة السوق اللبنانية وأبعد من ذلك الأسواق الأوروبية. وتعد تصريحات د.الزعبي على قدر كبير من الأهمية؛ إذ إن "قطاع الزراعة ليس بخير ونحن محاصرون"، فيما يحاول الأردن الرسمي فتح الأسواق الأوروبية منذ عام ونصف العام.
في قائمة أولويات واحتياجات الاقتصاد الأردني في هذا العام القلق، تبدو الزراعة ضحية أولى لإغلاقات الحدود وانسداد الأسواق. وإذا اعتبرنا أن الموسم الحالي هو الثالث من حيث سوء تداعياته على المزارعين والزراعة بشكل عام، فإن حجم الخسائر التي لحقت بهذا القطاع وصلت مستويات كارثية، تهدد بزواله إذا استمرت الحال على هذا النحو لموسم آخر. ولذلك، فإن دعم الزراعة هنا يبدو أكثر قيمة وجدوى من حفز قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي يحظى بدعم في كل المناسبات والمؤتمرات والتظاهرات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
ثمة قطاع آخر لم يحظ بما يستحق، رغم أنه شهد تراجعا في إيراداته خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 80 %. فالسياحة التي تضررت بشكل فعلي من وجود سبع حروب في المنطقة، وفقا لتعداد ذكره غير مرة رئيس الوزراء، لا تجد حزما أو حوافز استثنائية توقف حجم الخسائر المتراكمة التي لحقت بالمستثمرين والعاملين في هذا القطاع. فإغلاق أي فندق أو منتجع، يعني بالضرورة تشريد عشرات العائلات التي كانت تعتمد في دخلها على السياحة. وصورة الأثر السلبي الذي لحق بالسياحة ماثلة بشكل موجع في البترا التي استبشرنا بتصنيفها ضمن أعاجيب الدنيا قبل سنوات. هذا فيما تقوم دول إقليمية، في مقدمتها تركيا، بإعادة ترتيب أوضاعها الاقتصادية والسياحية على نحو يشهد تزايدا في حركة السياح، رغم أن اسطنبول وأنقرة في عين العاصفة والأزمة اللتين تلفان المنطقة كلها.
التوقعات بأن النمو الاقتصاد الأردني سيتراجع إلى نسبة
3 %، كما أورد صندوق النقد الدولي، لها ما يبررها، لاسيما في ظل تصاعد التضخم، وعدم استعادة الثقة بالاقتصاد، وغياب حلول عملية لأزمة السياحة المستعصية.
أولويات الحكومة ليست دقيقة حيال الاقتصاد. وهناك تعثر واضح في تشخيص الأزمة. والحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى، لحكومة إنقاذ اقتصادي.
(الغد 2015-11-03)