البيشمركة وحزب العمال وأزمة الرئاسة في كردستان!

قد يكون أكثر «الناس» فرحاً بفوز حزب التنمية والعدالة التركي في انتخابات الأول من تشرين الثاني الجاري هو مسعود برزاني، رئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته، ليس فقط لأن حليفه «الاستراتيجي» رجب طيب أردوغان، قد عاد إلى سابق عهده، متهدّداً متوعداً بالقضاء على حزب العمّال الكردستاني PKK الإرهابي واشتراطه استسلام الحزب وحلّ نفسه، كي يعود «السلام» إلى تركيا وإنما أيضاً، لأن اشتعال الجبهات، واختلاط الأوراق، قد يمنح برزاني المحاصر حزبياً والمرفوض شعبياً التمديد له أو منحه فرصة أخرى في انتخابات جديدة (لا يبيحها له الدستور).
لهذا لم يكن غريباً أو مفاجئاً مسارعة قوات البيشمركة التي تدين لبرزاني ولا تأتمر إلاّ بأمره، إلى اتهام حزب العمال الكردتساني (المعارض لأنقرة والمقرب من طهران كما يجب التذكير) بعرقلة «خطط» تحرير بلدة سنجار الاستراتيجية الواقعة على الحدود العراقية - السورية والتي سيطر عليها تنظيم داعش قبل عام ونيف.
الذريعة التي ساقتها قيادة قوات البيشمركة تبدو ضعيفة ومتهافتة، بل غير مقنعة وإذ جاء فيها (الذريعة) ان قادة البيشمركة الذين أعدّوا خطة لتحرير قضاء سنجار من سيطرة داعش، لكن تم ارجاؤها بسبب قيام حزب العمال الكردستاني بـ(تحريك) عناصر تابعة له في المنطقة».
فأين تكمن الحقيقة إذاً؟ إذا ما علمنا ان مقاتلي حزب العمال متواجدون أصلاً في تلك المنطقة ومنذ سقوط سنجار في يد داعش، فضلاً عن تواجد عناصر من قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYO) هناك منذ تحرير عين العرب (كوباني)..الأمر الذي تولى أحد قادة الـPKK كشفه إذ قال: إن تحريكهم لقوات تابعة لهم في المناطق القريبة من سنجا، جاء بسبب عدم رغبة قوات البيشمركة بالتنسيق معهم حول شنّ هجوم مشترك لاستعادة السيطرة عليها وطرد داعش منها».
هو صراع مفتوح ومعلن لأن كلا الطرفين في خندقين متقابلين، ويتحالفان مع معسكرين متخاصمين واللعبة هي لعبة نفوذ وتعزيز مواقع واستعداد لحجز «مقاعد» في أي تسوية إقليمية كبرى، يريد أحد الطرفين أن يشطب الآخر، كي يحظى بتمثيل منفرد «للكرد» في أماكن تواجدهم ضمن كردستان الكبرى والتاريخية، ما بالك أن شعوراً بالانتصار أو الزهو أو الأمل بالاستقلال أو الحكم الذاتي الموسع يداعب «الكرد» في مناطق ثلاث بدءاً بإقليم كردستان العراق (الذي يعيش أزمة قد تتحوّل إلى حرب أهليّة مفتوحة) مروراً بحزب العمال الكردستاني الذي كاد أن يحقق إنجازاً تاريخياً عبر محادثات السلام التي وأدها أردوغان ثم ما لبث الأخير أن أوقعه في فخ كبير عندما دفعه إلى التخلي عن الهدنة ومعاودة العمل المسلح، الأمر الذي اسهم لاحقاً في تراجع حزب الشعوب الديمقراطي وكاد يسقط تحت حافة نسبة الحسم 10%، بعد أن نجح أردوغان في ابعاد اليسار وبعض الكرد عن التصويت لحزب الشعوب إثر موجة العنف التي ازهقت أرواحاً عديدة، نحت كلها باللائمة على حزب العمال الكردستاني (بمن فيهم حزب الشعوب الديمقراطي نفسه بعد ان قيّم نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني الجاري)، وليس انتهاء بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYO) الذي يبدو (حتى الآن) أنه الفائز الأكبر مما يجري من تحالفات واصطفافات ومناورات، إقليمية ودولية على حد سواء.
انعدام الثقة والشكك المتبادلة بين الأطراف الكردية المعنية، بمواجهة داعش أو بمسار الأزمة السورية، فضلاً عن الطموحات والآمال التي تداعب خيالات مسعود برزاني، باقامة تحالف مع اردوغان لشطب حزب العمال وتشتيت صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يحظى بدعم أميركي معلن، هي السبب في عودة التوتر وربما الانزلاق إلى حروب «كردية» تتهيأ أطراف إقليمية وبخاصة تركيا لدعمها، علّها تفلح في هزيمة هذه الأحزاب أو تقزيم نفوذها، لكن اللعبة التي يلعبها مسعود برزاني المأزوم داخل إقليمه وغير القادر على رأب الصدع مع منافسيه أو خصومه من الأحزاب الأربعة الأخرى الممثلة بالبرلمان وطرده وزراء حركة التغيير، ومنعه رئيس برلمان الإقليم من دخول (اربيل) عاصمة الإقليم تشي كلها بأن الرجل قد أدار ظهره للعملية الديمقراطية وعاد إلى سابق نشأته معتمداً على القوة العسكرية والميليشيات المسلحة لحل خلافاته مع منافسيه، ويبدو أنه لن يصيب نجاحاً هذه المرّة.
(الرأي 2015-11-09)