حالة العلوم في جامعات العالم الإسلامي

صدر حديثاً عن "فريق العمل للعلوم في جامعات العالم الإسلامي" تقرير عن حالة العلوم في جامعات دول منظمة التعاون الإسلامي التي تضم الدول الإسلامية، وتلك ذات الأغلبية الإسلامية، وعددها 57 دولة. والتقرير صادر عن مبادرة العلوم في العالم الإسلامي ومقرها باكستان، وشارك في إعداده مجموعة من العلماء في العالم الإسلامي، وبعض الخبراء العالميين، وقدّم له مستشار العلوم لرئيس وزراء ماليزيا، ورئيس الفريق البحثي الذي أنجز التقرير.
الصورة التي يخرج بها التقرير قاتمة. فبالرغم من وجود مليار ونصف مليار مسلم أو ما يوازي 25 % من سكان العالم، إلا أن المساهمة في المعرفة العالمية متدنية جداً حسب مؤشرات عدّة، من أهمها: أنه كان هناك فقط ثلاثة علماء من العالم الإسلامي ممن حصلوا على جائزة نوبل في العلوم. كما أن مساهمة العالم الإسلامي متدنية بحجم الكتب والبحوث العلمية المنشورة، ونسبة الإنفاق على البحث العلمي متدنية جداً أيضاً. فعلى سبيل المثال، تنفق دول ومنظمات العالم الإسلامي أقل من نصف بالمئة من الناتج المحلي على البحث والتطوير. وهناك دولة واحدة فقط هي ماليزيا تنفق 1 % على البحث العلمي، بينما يبلغ المعدل العالمي لهذا الإنفاق 1.87 %. ويتراوح الانفاق في الدول المتقدمة بين 2.5-3 %. وكذلك الحال بالنسبة للتعليم قبل الجامعي؛ فالاختبارات العالمية للرياضيات تظهر أيضاً أن أداء طلبة دول العالم الإسلامي هو الأدنى بين الدول.
إنها صورة قاتمة بحق. لكن في الجانب الإيجابي، يُشير التقرير الى أن الطالبات في جامعات الدول الإسلامية يحرزن تقدماً ملموساً في دراسة العلوم، بالرغم من تدني نسبة النساء في المواقع الأكاديمية المتقدمة. كذلك، يعكس التقرير وجود تحسن كبير في الإنتاج العلمي، وبخاصة البحوث العلمية في العقد الماضي، عما كانت عليه الحال في العقد الذي سبقه.
وهناك استنتاجان لافتان لهما علاقة بحالة العلوم بالأردن، كشف عنهما التقرير؛ الأول، أن الفصل المبكر في المدارس بين المسارات الأكاديمية (العلمية) والأدبية، أو ما يشار إليها بغير العلمية تعتبر نتائجه كارثية على التعليم الجامعي والذي عملياً يستمر في عملية الفصل والتركيز على المفهوم الضيق للعلم. فطلبة العلوم والتكنولوجيا لا يدرسون ما يكفي من العلوم الاجتماعية والإنسانية في حياتهم الجامعية، والعكس صحيح أيضاً بالنسبة لطلبة العلوم الاجتماعية والإنسانية الذين لا يدرسون مواد علمية على الإطلاق في حياتهم الجامعية. والنتيجة هي أن الذين يدرسون العلوم والتكنولوجيا يعرفون القليل عن الفلسفة والمجتمع وعلم النفس، ومن ثم تتراجع قدراتهم في تطبيق علومهم في حياتهم العلمية والعملية، وكذلك طلبة الكليات الإنسانية والاجتماعية الذين يتخرجون وهم يفتقرون لأبسط الأسس العلمية والمعرفية الضرورية أيضاً لوعيهم وحياتهم العملية. والثاني، المبني على مراجعة التجارب العالمية، هو أن المعرفة متداخلة ومتعددة الأبعاد، لأن الإبداع في العلوم والهندسة ليس عملية تقنية بحتة، وهذا ممكن فقط إذا ما تعرض الطلبة، وبالمعنى الواسع للأفكار والنظريات والفلسفة وتاريخ العلوم وغيرها من التخصصات الإنسانية. غياب التعرض لهذه الموضوعات للمتخصصين في العلوم يجعلهم غير قادرين على الإجابة عن الأسئلة الحرجة التي تطرح في المجتمع، وبخاصة تلك المتعلقة بالأخلاقيات، والدين، وأهداف البحث.
التقرير مهم للغاية، ولا يمكن اختزاله بمقال أو أكثر، إذ إنه يناقش أيضاً موضوعات محددة، وعلاقتها بالعلم والإبداع والحاكمية والمرأة والشباب. ومن دون مبالغة، فإنه يعد من أشمل وأعمق ما قرأت عن حالة العلوم بالمنطقة. والأهم من ذلك أن القضايا التي يناقشها ذات ارتباط مباشر بالإشكاليات التي يعاني منها التعليم في الأردن. وعليه، فإن هذا التقرير يجب أن يحظى بالاهتمام المباشر والمعمق من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ووزير التربية والتعليم، والقيادات الأكاديمية كافة في الجامعات الأردنية.
(الغد 2015-11-12)