تضامنا مع "الميادين"

كما هو متوقع، فإن واقعنا العربي يثبت يوميا، بأنه لا يطيق الاختلاف في الرأي. لا بل ينبذ صاحب الرأي الآخر، ويرفضه، ويجيّش ضده، ولا ضير أن يذهب به وراء الشمس إنْ لاحت الفرصة، ما دام لا يقول ما يراد له أن يقول، فيبرز الفكر الإقصائي والتهميشي، لكل من يخالف في الرأي والفكر والمعتقد، لا بل يتم غلق أي طاقة، يمكن أن يعبّروا من خلالها عن رؤيتهم.
مثل أولئك، ديمقراطيون عندما يكون الحديث عن بلاد غير بلادهم، وإنسانيون عندما يتعلق الأمر بكوارث طبيعية في أميركا وغيرها. وهم مع حرية الرأي والفكر والمعتقد، عندما يتعلق الأمر باستضافة قادة العدو الصهيوني الملوثة أيديهم بالدم الفلسطيني، عبر شاشات تلفزيوناتهم، فيما هم ضد الحرية عندما يتعلق الأمر بهم.
في غياب الدولة المدنية الحضارية، التي تُبنى للأجيال القادمة، وتؤمن أن الحرية والديمقراطية أساس أصيل للدول، لكي تعبر الصعوبات من خلالها، في غياب ذاك اعتبر البعض أن دكتاتورية الفرد الفكرية، هي الأساس، وأن للفرد الحق بأن يتصرف كما يشاء، ويفعل ما يشاء، فبات لا يريد غيره في الميدان، فدفع لكي يحصل على الثناء، واشترى أقلاما لكي يتغنى أصحابها باسمه عبر المنابر، وخطف الهواء ليقول ما يقول، ويحمد من يحمد، ويردد ما يردد، ويزقزق كما يزقزق، وفي النهاية، يتآمر كما يتآمر، فبات لا يطيق رؤية أحد غيره.
استحضرت ذلك، وأنا اقرأ حول ما تتعرض له قناة الميادين اللبنانية هذه الأيام، من تضييق، يستدعي من كل صاحب قلم إعلان تضامنه معها، سواء اتفق مع سياسة القناة أو اختلف، فالتضييق على قناة إعلامية، لأنها خارج خط هذا الفرد أو ذاك، والتهديد بوقف بثها على قمر فضائي، لأنها خرجت عن السياق المعتاد على الثناء والتبجيل، والطلب من الحكومة اللبنانية إلغاء الترخيص، لا يمكن فهمه أو استيعابه ضمن الإطار الصحيح، أو ضمن الحفاظ على الثوابت العربية والقومية للمجتمع العربي من المحيط إلى الخليج، لاسيما أن القناة لم تخرج علينا بأفكار منحرفة، أو لقطات خارجة عن الذوق العام، أو ألفاظ خارج السياق، أو مشادات صوتية وكلامية، أو أحكام جاهزة، او تجييش طائفي ومذهبي، أو لأنها استضافت قادة العدو الصهيوني، أو قادة الإرهابيين عبر فضائها.
فالميادين، كما أشاهد، تساند الحق العربي في فلسطين، أقلها عبر الكلام الذي بات مفقودا هذه الأيام. وهي أيضا لا تطلق على شهداء فلسطين قتلى، ولا تستضيف قتلة ملوثة أيديهم بالدماء على الهواء، ولا تفتح لهم فضاء العرب وبيوت العرب.
و"الميادين" أيضا استطاعت أن تجد لنفسها مكانا محترما في ظل انحياز الإعلام العربي المكشوف، وإن انحازت فإن انحيازها ذلك يكون ضمن هامش، أقل بكثير منه لدى غيرها من المحطات الفضائية.
كنت أمني النفس أن تبادر إدارة قمر "عرب سات" على غير ما فعلت مع "الميادين"، فتضع حدا لقنوات الفتنة، التي تبث الحقد الطائفي، وتغلق قنوات الشعوذة والدجل الموجودة عبر الفضاء العربي. أما أن تضيق إدارة "عرب سات" ذرعا بقناة الميادين، لأنها تغرّد خارج سرب القنوات الأخرى، المبثوثة عبر القمر العربي نفسه، فإن ذلك يدعو للاستغراب، ويدعونا، كإعلاميين نؤيد حرية الفكر ونؤمن بأن حرية الإعلام سقفها السماء، للتضامن مع القناة، والتعبير عن رفضنا لأي تضييق على الحريات الصحفية، مهما كان مصدره، ومهما كانت دوافعه وأهدافه.
مجتمعنا وأطفالنا وبيوتنا بحاجة لقنوات تنوير فكرية، تحمل فكرا مدنيا حداثيا متنورا، بعيدا عن فكر الإقصاء والشتم وكيل التهم والكذب والتدليس على الناس، واتقان التحشيد الطائفي والفئوي.
فيا أيها السادة؛ الذين أخذتم كل الإعلام، أو أغلبه، اتركوا للرأي الآخر مكانا، يتحدث منه، واسمحوا لمساحة من الاختلاف في فضائكم. ألستم تدّعون حرصا على الديمقراطية؟! فلماذا تمارسون مع "الميادين" حكم الفرد؟!
(الغد 2015-11-18)