جدّية روسيا وحيويتها في مواجهة مراوغة الغرب وتلعثمه

لم تكن اجتماعات قمة العشرين الكبار G20 في انطاليا بتركيا واللقاءات التي جرت على هامشها كذلك التصريحات التي ادلى بها بعض المشاركين، هي المؤشر على حيوية الدبلوماسية الروسية، ووضوح الرؤية لديها في كثير من الملفات بل جاءت هذه «الهجمة» الدبلوماسية المنسّقة والمُرتبة مسبقاً التي قادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس دبلوماسيته العتيق والذكي سيرغي لافروف تتويجاً للنقلة النوعية وذات الاصداء والأبعاد التي ما تزال تتردّد وتلقي بظلالها على المشهدين الإقليمي والدولي والتي حدثت في اليوم الاخير من شهر ايلول الماضي، عندما تم الإعلان عن انخراط روسيا العسكري المباشر والمعلن والميداني في الأزمة السورية بكل ما يعنيه ذلك من احتمالات ورسائل في مختلف الاتجاهات.
وإذ عُقدت قمة G20 على وقع الهجمات الدموية غير المسبوقة التي تعرضت بها العاصمة الفرنسية على نحو لم يعد يختلف اثنان على انها شكلت قطيعة على ما سبق يوم الثالث عشر من تشرين الثاني الجاري اقله في ما خص المواقف الفرنسية الرسمية من الازمة السورية وتداعياتها وما كانت تمارسه الدبلوماسية الفرنسية من تحريض ودعم مكشوف لقوى المعارضة السورية التي هي في معظمها منظمات ارهابية وتكفيرية غير خافية على اجهزتها الامنية، فان ما تركه اجتماع فيينا -2 «العشريني» هو الآخر، قد شكل ارضية مناسبة لاعادة رسم خريطة جديدة للمواقف الدولية من الازمة السورية، التي باتت الآن ولأسباب تخص بعض أصحاب الرؤوس الحامية أو لنقل التي تستشعر الهزيمة التي يلوح افقها في فضاء المعادلات الجديدة وانعكاسات العمل الميداني الذي سيقرر على اي حال مستقبل الازمة وسيرورتهما، نقول باتت الازمة السورية مطروحة بقوة على جدول الاعمال الدولي، حيث لم تعد المراوغة او التواطؤ او اللعب على التناقضات او استثمار بعض «الوقت» لاحراج موسكو والتلويح بها بتكرار التجربة الافغانية، تُجدي نفعا، بعد ان لعبت موسكو جيدا بالاوراق التي توفرت عليها وتلك التي ما تزال لم تستخدمها بعد، ناهيك عن الخيبة وفقدان الحماسة التي باتت عليها معسكر الداعمين لمنظمات الإرهاب والتكفير العاملة على الاراضي السورية والتي تستفيد من الدعم اللوجستي والاستخباري والتسليحي والملاذ الآمن الذي توفره دولة مثل تركيا ومن حالفها وهم معروفون تماماً.
أن يقول الرئيس الروسي بوضوح ومن على منصة قمة انطاليا, ان هناك 40 دولة تدعم منظمات الارهاب في سوريا وأن من بينها دول حضرت قمة الـ G20, يعني أن موسكو تريد الان اللعب على المكشوف ولن تسمح باستمرار عمليات الابتزاز والمراوغة التي تمارسها عواصم اقليمية ودولية. تزعم في بعض خطابها الاعلامي انها معنية باحلال السلام في سوريا لكنها تعمل في الخفاء (الذي لم يعد خافياً) على تأجيج الصراع وادامة الارهاب والتدمير وتحويل سوريا الى «مصنع» لجماعات الارهاب والتكفير التي تهدد أمن المنطقة بل والعالم, دوله والشعوب.
لم يرد احد من المشاركين في قمة انطاليا للعشرين الكبار على «اتهامات» بوتين وفضّل المتورطون الصمت, لأن أي محاولة للنفي ستواجه بالحقائق والارقام وصور الاقمار الصناعية التي تصور تجارة النفط والدعم اللوجستي والتسهيلات على الحدود من ارتفاع خمسة آلاف متر, ما بالك بما بين يدي اجهزة الاستخبارات من اعترافات وحقائق ومحاضر جلسات بالصوت والصورة؟
لافت ان لم نقل مؤسف جداً ان يتزامن ذلك مع اعلان جهاز الامن الفيدرالي الروسي يوم امس عن أن سقوط الطائرة الروسية فوق جزيرة سيناء نهاية الشهر الماضي كان نتاج عمل ارهابي عبر تفجير عبوة ناسفة يدوية الصنع وضعت على متن الطائرة أدت الى تحطمها.. تبعات هذا الحدث الاجرامي وتداعياته معروفة وهي ستزيد من تشدد الموقف الروسي ميدانياً وسياسياً لأن بقاء الغرب وبعض العرب في مربع المراوغة والتواطؤ لم يعد مقنعاً أو مقبولاً, ولأن التذرع باطاحة الرئيس السوري كشرط لازب لأي تسوية, لا يعدو كونه محاولة لشراء الوقت وافساحاً في المجال للارهاب كي يشتد عوده ويخرج على نطاق السيطرة.
لهذا نلحظ حيوية في الدور الروسي دبلوماسياً وسياسياً في اطار مروحة من الاتصالات والمبادرات باتجاه المعارضات السورية وفي مسائل الفترة الانتقالية وفي تصنيف لائحة المنظمات الارهابية في مقابل تلعثم غربي (وبعض العرب) الذين لا يتوفرون على نية جدية لانهاء المقتلة السورية ويراهنون على صفقات و»عمولات جيوسياسية» ويريدون تأجيل الاعلان عن هزيمتهم..
.. هل ينجحون؟
.. الايام ستقول!
(الرأي 2015-11-18)