لبنان: استقلال.. ولكن!

اليوم.. يحتفل لبنان بعيد استقلاله الذي يحمل الرقم (72) هذه السنة، بعد ان «نجح» قادته او لِنَقُل ممثلي طوائفه وقتذاك (عام 1943) في التوصل الى صيغة، ظنوا انها قابلة للحياة، دَعَمَهم في ذلك (او دَعَمَ بعضهم كما تجب الاشارة) المُستعْمِر الفرنسي، الذي كان يعرف – كما سِنِمَار في حكاية بناء قصر السلطان – مكمن الخطورة وصاعق التفجير، الذي بمقدور الأم الحنون فرنسا , في اي وقت تشغيله , وبالتالي تفجير الصيغة نهائياً او إعطابها الى وقت غير معلوم... لأهلها.
ولأن اللبنانيين يُدركون اليوم، ربما اكثر من اي وقت مضى , ان صيغة العام 1943، لم تعُد صالحة للاستعمال وباتت في حاجة الى تعديل او تطوير او تفعيل، اذا ما حالت ظروف داخلية ودائماً خارجية في إنجاح مقاربة كهذه، فانهم يتطلعون حواليهم بأسى ازاء ما وصل اليه بلدهم – زد...وصيغته – من انسداد وعجز وانعدام قدرة على امساك قرارهم الوطني بأيديهم بعيداً عن تدخلات الآخرين، وهيمنة بعضهم ووصاية غيرهم، وامتلاك عواصم اقليمية ودولية مفتاح الحلول لأزماتهم المفتوحة التي اوصلت لبنان الى ما هو عليه الآن من عجز واستلاب وشلل.
لك ان تُدقق في مشهد هذا البلد الذي يبدأ نشيده الوطني بعبارة «كلنا للوطن»، لترى كيف انه بلا رئيس للجمهورية منذ «545» يوماً و»العَدّاد» مفتوح الى ما لا نهاية، اللهم الا اذا اطلق قطار «التسويات» في المنطقة صافرته، وهو احتمال يبدو الآن ضعيفاً في ظل احتدام المعارك في سوريا ودخول اطراف دولية بِحماسة وربما بنَزَق وانفعال , على ما تفعله فرنسا عسكرياً بعد ان بدأت بتدمير منشآت نفطية سورية تقع تحت سيطرة التنظيمات الارهابية ليس فقط لأنها لم تُنسق مع الحكومة السورية على ما يتطلب القانون الدولي ذلك , وانما ايضاً لأن تدمير تلك المنشآت (وليس شاحنات النقل , لا يُسهم في هزيمة داعش بقدر ما يُدِّمر الاقتصاد السوري ويرفع من كلفة اعادة الاعمار لاحقاً , وهو في ما يبدو جزءاً من الصراع الذي تخوضه بعض الدول الاوروبية وخصوصاً الولايات المتحدة (دع عنك تركيا).
ما علينا..
لا يقتصر الأمر في لبنان على شغور منصب رئاسة الجمهورية، بل يتعدّاه الى شلل في السلطة التنفيذية، حيث الخلافات تعصف بحكومة تمام سلام المُفترض انها جاءت نتاج تفاهمات الحد الادنى بين فريقي 8 و14 آذار، بل وُصِفت ذات يوم بأنها حكومة «توافق وطني»، وان كانت في تركيبتها وطريقة استيلادها , أبعد ما يكون عن تلك الصفة، ما بالك ان الطرفين وجدا نفسيهما امام هاوية فاغرة فاها، فآثرا السلامة وتنازلا بطريقة مقبولة عن كل منهما، وان كان فريق 14 بدا في تلك اللحظة وكأنه هو الذي اضطر الى تقديم مثل تلك التنازلات، لأن الخيار «الآخر» امامه كان أعلى كُلفة بكثير.
الى جانب شلل الحكومة التي لا تجتمع، وان اجتمعت لا تتفق، وان اتفقت فإن تنفيذ قراراتها (بافتراض تم اتخاذ قرار ما تجاه اي مسألة) لا يأخذ مساره الصحيح ويخضع لتفسيرات عديدة، لا تلبث تلك القرارات ان تُوضع على الرف او يتم ترحيلها باستمرار , على ما حدث ويحدث في ملف النفايات التي ما تزال تملأ شوارع بيروت وتزيد من غضب اللبنانيين الذين بدأوا يدركون ان الوقت قد حان امامهم للخروج الى الشوارع والدعوة الى اطاحة طبقة السياسيين والسلطة الفاسدة , كما حدث – وما يزال – منذ اواخر آب الماضي حتى الآن , بظهور حركات شبابية واخرى مطلبية واحتجاجية مثل «طلعت ريحتكُن»، و»بدنا نحاسب» وغيرهما، والتي احدثت صدمة لدى اوساط الطبقة الحاكمة وتلك المُتحكمة بلبنان وشعبه من امراء طوائف وبارونات حرب وقادة ميليشيات و محاور وزواريب وأزقة.
نقول: الى جانب شلل الحكومة وشغور قصر بعبدا الرئاسي، يتبدى فشل مجلس النواب الذي مدّد لنفسه مرتين، اي لدورة نيابية كاملة (4 سنوات)...صارخاً , ما دفع بكثير من اللبنانيين وخصوصاً في وسائل الاعلام كصحافة مقروءة ومواقع تواصل اجتماعي وخصوصاً محطات تلفزة للتساؤل ماذا تبقى من الاستقلال؟ وإن كان مِن العدل القول ان سؤالا موجعا كهذا مطروح من قِبل شعوب دول عربية عديدة فقدت استقلالها منذ «ازمان» طويلة.
ولأنه...هيدا لبنان، الذي كانت «شعوبه» تتواجه في المتاريس خلال الحرب الاهلية الطويلة والممتدة بين العامين 1975-1990 نهاراً , ثم يذهب المتحاربون الى البارات والمسارح والفنادق للسهر سوِياً، فان الفرصة لم تبدد بعد , وامكانية التوصل الى «مصالحة» جديدة او تسوية شاملة كتلك التي دعا اليها السيد حسن نصرالله ولاقت تجاوباً وان فاتراً عكسته تصريحات مُتلعثمة لفريق 14 آذار وبخاصة في تيار المستقبل الذي يرأسه سعد الحريري...ما تزال واردة.
هل يتخلى «زعماء» لبنان عن التزاماتهم الخارجية لصالح مستقبل وطنهم وشعبهم، في ظل اقتناع الكثيرين من هؤلاء الزعماء و»القبضايات» ان بلدهم غير «مرئي» على رادارات اصحاب القرار في العالم؟
الجواب مرهون بمن يُطرَح السؤالُ... عليه.
(الرأي 2015-11-22)