إسقاط السوخوي الروسية أو.. معنى أن تتناقض الروايتان؟

تم نشره الأربعاء 25 تشرين الثّاني / نوفمبر 2015 12:52 صباحاً
إسقاط السوخوي الروسية أو.. معنى أن تتناقض الروايتان؟
محمد خروب

فيديو اسقاط الطائرة الروسية المقاتلة من طراز سوخوي 24 والذي صوّرته وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية، وضع حدّاً للتكهنات التي راجت في البداية حول «جنسية» الطائرة والتي قيل إنها «ميغ 21» أي سورية، كون قطعات سلاح الجو الروسي العاملة في سوريا، لا تحوي طرازاً كهذا، لكن مسارعة قناة التلفزيون التركي الناطقة بالعربية TRT الى بث «أوامر» أحمد داود أوغلو إلى وزير خارجيته ابلاغ حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي بلاده عضو فيه والأمم المتحدة بالتطورات على الحدود السورية التركية، كشف - ضمن أمور أخرى - مدى ارتباك تركيا وربما ندمها على خطوتها التصعيدية والمفتوحة على احتمالات عديدة، بعد أن أعادت وزارة الدفاع الروسية القول إن طائراتها لم تخرِق الأجواء التركية وأنها - موسكو - قادرة على اثبات ذلك بالتأكيد.

هنا، تبدو الأمور التي ما تزال مسربلة بالغموض، فضلاً عن التعقيد والحسابات الدقيقة التي يجب أن تلجأ إليها الأطراف المعنية، وإلاّ وقعت في المحظور وانزلقت إلى ما لا يحمد عقباه، وكأنها ليست في صالح أنقرة التي يُكابر مسؤولوها ويعيدون القول انهم اصدروا أوامرهم، باسقاط أي طائرة تخرق الأجواء التركية وغيرها من التصريحات الحماسية التي تعكس ارتباكاً وتخبطاً أكثر مما تؤشر إلى ثقة أو استعداد لتحمل تبعات عمل استفزازي يمكن وصفه بالأخرق، وبخاصة إذا ما تأكد للجميع أن الطائرة الروسية كانت بالفعل فوق الأجواء السورية، وأن إطلاق النيران التركية سواء كانت أرضية أم عبر صواريخ أطلقتها طائرتان تركيتان بهدف التحرش والاستفزاز.

لا يمكن فصل هذه الخطوة التركية التي نحسبها دعسة زائدة وغير مُبرّرة وربما تفضي الى اشعال حريق جديد في المنطقة، عن التطورات المتسارعة في الشمال السوري وبخاصة في ريف اللاذقية الذي يشهد هزيمة متدحرجة لفصائل الارهابيين الذين يَتخفّون خلف اسماء ومسميات عديدة , منها ما هو بغطاء تركماني (وهذا سرّ غضبة أردوغان واستشعاره قرب دفن مشروعه الامبريالي الذي يُسوّقه بمعايير عثمانية جديدة) ومنها من تَدثّر بعباءة الجثة المسماة «الجيش الحر» وغيرها من الرايات كجيش الفتح والجبهة الشامية وأحرار الشام.

الخارجية التركية استدعت السفير الروسي في أنقرة مُحتجّة على قصف سلاح الجو الروسي لجبل التركمان وقرى تركمانية أخرى (ظن كثيرون أنها تركية، فيما هي سورية وعربية خالصة، يريد سلطان أنقرة بسط وصايته عليها انطلاقاً من أوهامه بأنهم رعاياه).

دون ان يُبدي مسؤولو الخارجية التركية اي اعتذار او ندم عن تسليحهم لهؤلاء «التركمان» وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي والمستشارين الذين مكنّوهم وباقي المجموعات الارهابية من احتلال عدة تلال ومناطق في ريف اللاذقية المحاذي للحدود المشتركة ثم ما لبثت انقرة ان وفرت القصف المدفعي والتغطية النارية الكثيفة كي يجتاح الارهابيون مدينة ادلب ولاحقاً جسر الشغور وسهل الغاب.

ما علينا..

اسقاط السوخوي الروسية يأخذ الأمور الى مرحلة جديدة محمّلة بالتوقعات والاسئلة التي قد تكون اجوبتها معلّقة , في ظل الاجواء الساخنة وارتفاع منسوب التكهنات والحذر الذي تُبديه اطراف عديدة، كي لا يشكل هذا «الاسقاط» التركي الغبي للطائرة الروسية المقاتلة، سقوطاً في مستنقع حرب قد «يتذكر» اردوغان ورئيس حكومته، المُنتشيان بانتصارهما الانتخابي في الاول من الشهر الجاري (كان مقررأً ان يقدم احمد داود اوغلو يوم امس تشكيلة حكومته الجديدة ذات اللون الحزبي الواحد) تاريخ بدئها وهو 24/ 11 (اي يوم اسقاط الطائرة) لكنهما ومَنْ قد يقف خلفهما وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية , لا يعرفان مدى وكيفية واكلاف انتهائها، بعد ان حاولت تركيا الظهور بمظهر الدولة القوية المستعدة لمناطحة روسيا فيما الاخيرة لم تتجاوز حدود القانون الدولي ولم تسع الى استفزاز انقرة، او الدخول معها في تراشق اعلامي او إحداث ازمة سياسية او دبلوماسية تتجاوز ما هو مقبول في الاعراف والتقاليد الدبلوماسية الدولية، وبخاصة تجاه الأزمة السورية التي يعرف الجميع ان موقفيهما متناقضان لكن في حدود المسوح الذي لا يُحدث قطيعة او يستدرج عداء وانكفاء مُتبادلين.

لن تسكت موسكو عن حادث اسقاط الطائرة ولن تبتلع لسانها او تخفض من صوتها او تتراجع عن روايتها في هذا الشأن، ما بالك، اذا ما صح ان احد طياري السوخوي قد وقع في يد الارهابيين التركمان والآخر قُتِل كما أُشيع؟، الامر الذي لن يجبرها على المساومة او الخضوع للابتزاز في ظل قناعة يعرفها الجميع بأن بوتين عندما قرر الانخراط المباشر في الأزمة السورية والتواجد العسكري متعدد الأوجه في ميادين المعارك، كان يعلم ان طائرات ستسقط ومقاتلين سيؤسرون وخسائر ستلحق في الارواح والمعدات.

ضجيج ردود الفعل ما يزال يَصُّم الآذان , لكن القرارات «الحازمة» في طريقها الى البروز والتشكُّل ونحسب ان حفر الخنادق العسكرية والسياسية والدبلوماسية قد بدأ.. وإلا كيف يمكن للمرء ان يَمُرّ ببساطة على وصف «الكرملين» حادثة إسقاط السوخوي بأنها «واقعة خطيرة للغاية»؟

بل إن الرئيس بوتين حدد مستقبل العلاقات مع انقرة محذراً الاخيرة من العواقب الوخيمة لتلك « الطعنة في الظهر » التي جاءت من شركاء الارهابيين وفي ذلك تلخيص مكثف وعميق للمشهد الآخذ في الاحتقان والذي يلامس حدود الانفجار.

(الرأي 2015-11-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات