سلموا على أردوغان

تم نشره الأربعاء 02nd كانون الأوّل / ديسمبر 2015 12:52 صباحاً
سلموا على أردوغان
د. ديمة طارق طهبوب

وصية مضحكة قد تسمعها من بعض الناس إذا كنت ستسافر الى إسطنبول، تجعلك تتخيل أن أردوغان جالس في المطار ينتظر الزوار يستقبلهم ويرحب بهم!!

إلا أن الحديث له رمزية أخرى في الإعجاب بهذا الرئيس الذي أصبح وجه تركيا الحديثة وأبوها الجديد، ويمثلها بمواقفه ومواقف حزبه والحركة التي انتمى إليها، والتي تقرب بها الى العرب وقرب تركيا اليهم عابرا عقودا من القطيعة والتناحر وسوء الفهم.

«أردوغان تمام» بالتفخيم، هكذا يلفظها أهل اسطنبول الذين يحسون أن العرب يحبونه، ويفخرون بأنه ابن حي بسيط خرج من حواريهم ليصبح رئيس الدولة، ومع ذلك لم ينفصل عنهم ولم يقم بينه وبينهم الحواجز، بل إنه لم يتخلف يوما عن واجب العزاء لأي تركي يفقد عزيزا ويدعوه للجنازة، وكان عزاء والدته استفتاء شعبيا على محبته وقربه من الشعب.

لن يجد الزائر أردوغان في المطار حتى يسلم عليه ولكنه سيجد آثار قيادته الرشيدة وإخلاصه عندما كان رئيس بلدية اسطنبول، وكرئيس وزراء البلاد ورئيس، ماثلة في النظام والأمن والنظافة وارتفاع مستوى المعيشة، وتقليص المديونية وانخفاض البطالة، والشعور العام بالرضى الذي يبدو على وجوه الأتراك الذين يجدون على اختلاف طبقاتهم أماكن للترفيه والاستجمام، دون أن يحرم الغني والفقير من متنفس يروح فيه عن نفسه في الحدائق والشواطئ التي لو وجدت في بلادنا لسيطر عليها أصحاب الأموال، واحتكرها الأغنياء ليجتمع على الفقراء ضيق العيش وضيق ذات اليد!

إسطنبول بهجة للناظرين أينما وليت وجهك، ويضيف النظام الاجتماعي رونقا على جمال الطبيعة وخصب التاريخ، الا أن العرب يطلعون على تاريخ تركيا من خرم ابرة المسلسلات؛ فلا يعرفون سوى قصص حبهم أو فسقهم وعن العثمانيين سوى حريمهم، وينسون أن الإنصاف يقتضي أن نفهم أن تاريخنا بعد الخلفاء الراشدين وتابعهم العمري الأموي كان دائما منقسما بين نصر وهزيمة، وصفحات مشرقة وأخرى سوداء، والحكام يخلطون أعمالا صالحة وأخرى سيئة، فالبشر بشر، ولو كان أمراء أو سلاطين، وهم بهذه الجبلة موضع الخطأ والنقص والزلل.

ولقد أصاب العثمانييون وأخطأوا كما أخطأ وأصاب من كانوا حديثي عهد وصحابة وتابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمويين والعباسيين، ولكن بمجمل الأمر كنا عربا ومسلمين أحسن حالا وأكثر قوة متوحدين تحت الخلافة الا في عصور الضعف، وما رأى العرب خيرا ولا قوة منذ أن تشرذمنا في دويلاتنا منقوصة السيادة وتبعنا لأمريكا والمجتمع الدولي.

نراهن على القادم، وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وهو بكل المقاييس أفضل من تسليم رقابنا لأمريكا ومحاورها وحلفائها وخططها وتقسيماتها، ولدى المدرسة التركية قيادة وسياسة الكثير مما يمكن أن نتعلم ونستفيد منه في التدرج في إحداث التغيير الاجتماعي.

«سلموا على أردوغان» سمعتها أكثر من مرة ومن أناس كثر وما سمعتها عن رئيس عربي من أقصى بلادنا الى أقصاها؛ فرؤساونا أبعد ما يكونون عنا، ولا يعرفهم الشعب الا اذا اقتضى التصوير التلفزيوني والمراسيم مصافحة أو قبلة او اجتماعا اوزيارة!! بل ان معظم حكامنا يرتبطون في عقول وقلوب شعوبهم بالخوف والتسلط والاستبداد والاستحواذ!! ولا ندري كيف يعيش هؤلاء مع مشاعر كراهية الشعوب لهم، الذين لا يظهرون لهم الحب الا اضطرارا، او بشراء الذمم، وهذه تعاسة الدنيا بالرغم من كل الحرس والبطش والبهرج، وقد سأل نيرون قيصر روما أغربين الشاعر وهو يُعذب: من أشقى الناس؟ فأجابه معرضا به: من إذا ذكر الناس الاستبداد كان مثالا له في الخيال».

عندما اختار أردوغان وطاقمه أن يكون قريبا من شعبه وأن يخدمهم ولا يسرق منهم، اختار حياة هانئة لنفسه دون أن يتربص الخوف والموت له عند كل منعطف، والمعادلة عمرية بسيطة مجربة معروفة نتائجها: عدلت فأمنت فنمت، وبغيرها لم يصلح الحكم ولم يستقم الحكام.

في تركيا يسلم المنصفون على أردوغان، وفي ماليزيا على مهاتير، وفي غزة على اسماعيل هنية، في تونس على المرزوقي، وفي مصر كنا نستبشر بالسلام على محمد مرسي والان ندعو له بالفرج، لقد غاب بعضهم عن كرسي الحكم طواعية او غصبا ولكن الاجلال والاقتداء بهم باق.

ليسوا هؤلاء ملائكة إطلاقا ولكنهم يحاولون التسديد والمقاربة في ظل كرسي وسلطة تغري الانسان بالفرعنة والاستقواء، وقليلون من نجوا من سطوته، ولا نقدر فيهم شخوصهم بقدر النموذج الذي يقدمون للحكم، فيطفي الاحترام والمحبة لهم ولو غيروا لغيرنا ايضا.

فهل في الباقين من الحكام من يستيقظ من غفلته، ويخلص من أسر مستشاري الشيطان ويقول: وأنا أيضا؟!

وهل من عاقل يبدل قبول الدنيا والآخرة والناس ورب الناس بسخط الدنيا والآخرة؟!

بين أن يسلم عليك شعبك حبا، ويلعن روحك صباحا مساء وعندما تدير ظهرك، فرق كبير أيها الحاكم!!.

(السبيل 2015-12-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات