ماذا تفعل «الدبابات» التركية في سهل «نينوى».. العراقية؟

لا يُغادر حُلم «استعادة» امجاد الامبراطورية العثمانية البائدة، اذهان احفادهم الذين ما تزال تراودهم تلك الأحلام، بالضد من حقائق الجغرافيا السياسية التي رسخت منذ انفراط عقد «الرجل المريض» واعادة تركيا الى حدودها «الدنيا»، رغم «الرشاوى» التي قدمها المُستعمِرون الفرنسيون لها بالتواطؤ مع المُستعِمرين البريطانيين , عندما منحوها اقليم اسكندرون العربي السوري ومساحة واسعة , جغرافِياً وديموغرافياً , من اراضي كردستان التاريخية، ومع ذلك ما يزال المُتطرفون منهم (وهم غالبية) يحلمون بخط (الموصل - حمص) كحدود جنوبية لتركيا الحديثة، هكذا يكتبون وهذا ما يقولون ولهذا الهدف التوسعي الاستعماري يبنون خططهم الاستراتيجية والتي على أساسها يتخذون قراراتهم بالتدخل في دول الجوار العربي , وكانت الأزمة التي عصفت بسوريا الشقيقة هي احدى ابرز تجليات هذا الهوَس التركي بتعديل حدود «الجمهورية» التي رُسمت حدودها «رسمياً» في العام 1923، بعد نجاح مصطفى كمال اتاتورك باعلانها وانهاء دولة الخلافة.
ما علينا..
فشلت خطة اردوغان - اوغلو بايجاد منطقة عازلة في الشمال السوري كي تكون موطئ قدم للتوسع التركي مساحة وهيمنة ونفوذاً، وسقط رهانهما على استدراج قوى عالمية واقليمية كي تُسهم في انجاز هذه المهمة تحت ذرائع متهافتة وساقطة مثل حماية اللاجئين وايجاد ملاذات آمنة لهم ليكتشف غير العالمين ببواطن واهداف السياسة الاردوغانية الاستعمارية , ان المقصود هو ايجاد منطقة «حكم ذاتي» لتركمان ريف اللاذقية، ولاحقاً للمطالبة بـ «تقرير مصيرهم» (في مخطط التقسيم التركي لسوريا , التي كانت اصلاً الهدف الاساس للحرب العالمية غير المسبوقة بارهابها وتدخلاتها الخارجية ضد سوريا العربية , دوراً ودولة وشعباً ومكانة جيواستراتيجية، وليرى الجميع ان المعارضة المُعتدلة في نظر اردوغان , هي المجموعات الارهابية التي تحمل اسماء سلاطين آل عثمان , كالسلطان سليم ومحمد الفاتح وسليمان القانوني وغيرهم من السلاطين الذين يستلهم منهم (ثوار اردوغان) افكارهم ورؤيتهم لسوريا الجديدة , رغم كل ما قيل عن الديمقراطية والتعددية وغيرها من الترهات التي سوّقها اردوغان في بداية الازمة , وما ادعّى انه «نصح» الرئيس السوري بها, قبل أن يُعلن الحرب عليه وعلى شعبه وعلى هوية سوريا العربية..
الانخراط الروسي المباشر في الازمة السورية منذ 30 ايلول الماضي, أسقط مخططات اردوغان (ومَنْ حالفه من العرب ودول الغرب الاستعماري بالطبع) وفرض قواعد لعبة جديدة, يصعب عليه تجاوزها إلا اذا اختار طريق المغامرة بل المقامرة, على النحو الذي شهدناه في اسقاط السوخوي 24 الروسية, التي اظهرته على حقيقته مُرتبِكاً وقلِقاً وفاقِداً المساندة والدعم من الذين يستشعِرون خطراً على شعوبِهم خصوصا مصالحهم , اذا ما ساروا قُدماً في دعم مقامرته , فآثروا دعمه الخجول بـ» الاقوال» ولكن دون أي اشارة الى انهم مستعدون للانزلاق الى مواجهة قد تقود الى حرب عالمية ثالثة, بل طالبوه بحزم بالعمل على اغلاق جدّي لحدوده مع سوريا.
يمّم اردوغان بعد كل هذا الاحباط والفشل الذي لحق بخططه... نحو العراق, مُستعيناً أو مُتذرِعاً بحجة تدريب «بيشمركة» صديقه وحليفه الكردي العراقي مسعود برزاني الذي يعيش هو الآخر ازمة سياسية «داخلية» عميقة مع القوى السياسية في اقليم كردستان العراق, بعد أن انتهت مدة رئاسته اواخر ايلول الماضي وبات رئيساً غير شرعي , يرفض البرلمان التمديد له او تجديد ولايته ويدعوه للخروج من «القصر الرئاسي» لكنه يرفض ويناوِر ويستدرج الوساطات الخارجية التي لا تنجح حتى الان.
فجر أمس استفاق العراقيون على فوج عسكري تركي مكوّن من (150) جندياً ترافقه (20) دبابة اجتاحت الاراضي العراقية في محافظة نينوى وصولاً الى تخوم مدينة الموصل, بذريعة الاسهام في تحرير الموصل ,المُحتلة من قِبل داعش , رغم ان السلطة المركزية في بغداد لم تطلب ذلك بل أدانت هذا التدخل وطالب انقرة بسحب قواتها , حيث ردت الاخيرة بأنها قامت باستبدال وحدتها العسكرية المُكلفة تدريب قوات البيشمركة الكردية منذ عامين ونصف, لكنها لم تُقدِّم اي تبرير عن سبب استقدامها (20) دبابة لم تكن ترافق تلك المُستبدلة, فضلاً عن الانباء التي تتحدث عن افواج تركية اخرى في طريقها الى تلك المنطقة.
هنا والان... بدأت الحقائق تتكشف في ضوء ما يصدر عن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الذي يقول: ان بلاده ليست في حاجة الى قوات برِّية بل الى دعم لوجستيي وتسليحي, جاء ذلك رداً على ارسال «قوات خاصة» اميركية , ثم ها هي القوات التركية تجتاح سهل نينوى وصولاً الى الموصل.
.. هل بتنا أمام معادلة العراق «مقابل» سوريا؟
.. الايام ستخبرنا.
(الرأي 2015-12-06)