جدلية اليأس والخُرافة!!

تم نشره الثلاثاء 15 كانون الأوّل / ديسمبر 2015 01:20 صباحاً
جدلية اليأس والخُرافة!!
خيري منصور

أحيانا يحدث للمجتمعات ما يحدث للأفراد عندما يصابون بداء عُضال ويعودون من عيادات الاطباء بخفي حنين، عندئذ يلوذون بالخرافة لأنهم يعتقدون ان الطب بمعناه العلمي الدقيق اخفق في شفائهم، والمجتمع الذي لا يجد من نخبته وطليعته من يقنعه بالأمل في الشفاء يستدير ألف عام الى الوراء ضاربا بالوصفات وعلب الدواء الفارغة عرض البحر او الحائط لا فرق ! لكن هل بذلت النُّخب العربية ما يكفي من الجهد لتشخيص الامراض السياسية والاجتماعية ؟ ام هي الاخرى استدارت الى الوراء كي تجد الحلّ الذي كان شائعا في غياب العلم وكشوفاته ؟ عندئذ سيكون المثقف اشبه بعبد المعين الذي يبحث عمّن يعينه كما يقول المثل الشعبي . ان معظم ما نسمعه من الناس في هذه الايام يفتضح مساحة اليأس الذي بلغ حدّ القنوط من كل شيء، فهم ينامون ويصحون على اخبار لا تسرّ غير العدو، قتل وتشريد وجوع في كل مكان، ومنهم من يرى في هذا الشقاء عقابا على ما يعجّ به الواقع من فساد وانهيار لمنظومة القيم، وحين يقرأون اذا تسنى لبعضهم ذلك بسبب تفشي الأمية وضيق الوقت فإنهم لا يشعرون بأن هناك من يعبّر عنهم، بقدر ما يخونهم ويدير ظهره لشقائهم، فالكتابة الآن تحترف تهريب الواقع او تجميل القبيح منه على طريقة ليس بالامكان افضل مما كان، والقياس الرائج الان على الاسوأ فقط وكأن هدف العربي بعد كل تلك المعاناة هو ان يبقى كما هو لهذا السبب اصبحت ليبيا والعراق وسوريا الجحيم الذي يقابله نعيم البقاء على هذا الحال . ويلعب الاعلام الدّاجن والموظف دورا في تهريب الواقع، وتذكير المريض بأنه احسن حالا من الميت، لهذا غالبا ما يقاس متوسط الدخل في بلد ما في ضوء متوسط الدخل في اشد الدول فشلا وفقرا كي يرضى مقصوص الجناحين بحاله الى ان تأتي لحظة الطيران والتحليق وقد لا تأتي على الاطلاق على طريقة بيكيت في مسرحيته بانتظار غودو . والمجتمع الذي ينبش الدفاتر القديمة والمقابر بحثا عن خرافات تعينه على احتمال ما يعانيه هو اشبه بالمريض الذي طرق كل الأبواب وجرّب كل انواع الدواء لكنه لم يتماثل للشفاء، عندئذ يتشبث بأية وصفة شعبية يسمع عنها ويجربها في جسده، لكنه في هذا الحال كمن يعالج الورم بكمادات الماء وفقدان المناعة بحبة اسبرين ! ما تعانيه مجتمعاتنا ليس مرضا عضالا وعصيّا على الشفاء، بل هو غياب الاطباء الذين لم ينكثوا بقسم ابقراط وهم النّخب المعروضة للايجار !!

(الدستور 2015-12-15)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات