عن مؤتمر روما «الليبي».. أو الصحوة «الأُمميّة» المُتأخّرة !

لم يجف «حِبر» بيان اجتماع روما الموسّع الخاص بالازمة الليبية المتفاقمة والمفتوحة على احتمال اعلان امارة اسلامية في الهضبة الليبية ترفع شعار داعش، هذا التنظيم الذي اخذ بترسيخ قواعده واستقطاب المزيد من المتطوعين والجهاديين الذين تَعُجّ بهم القارة الافريقية (لا تنسى شمال افريقيا العربي)، والذي تحولت فيه مدينة سرت الى قاعدة رئيسة له.نقول:لم يجف الحبر, حتى اعلن المُسيطِرون على العاصمة طرابلس والذين يتخفون خلف يافطة المؤتمر الوطني برئاسة نوري ابو سهمين، رفضهم المسار التفاوضي الاممي الذي عبّر عنه اجتماع روما وأعلن تجاهله (اقرأ استهتاره) لكل التهديدات التي انطوى عليها بيان المؤتمر الذي حضره ممثلو اكثر من عشرين دولة ومنظمة دولية وإقليمية، دون ان تحفل (سلطة طرابلس التي عمادها ميليشيا فجر ليبيا الاخوانية والمدعومة من تركيا ودولة عربية اخرى مُعْلَنة وغيرها غير مُعلَن) بالتحذيرات التي اطلقها جون كيري وغيره، سواء في التهديد بان «مَنْ يُقوِضون الانتقال الديمقراطي سيدفعون الثمن» ام في «قطع اي صِلات مع الفصائل التي تمتنع عن توقيع اتفاق السلام».
واذا ما سلّم المرء بحسن نيات مَنْ اجتمعوا في العاصمة الايطالية، حيث ابدوا حماسة لافتة وغير مسبوقة، تكاد تعكس افتعالا وتمثيلا اكثر مما تُؤشر الى جِدّية او رغبة حقيقية في وضع حد للفوضى والفلتان الامني والانهيار الكامل الذي تعيشه ليبيا وشعبها، بعد ان تركهم «المُحَرِرون» الغربيون، لمصيرهم، ظنّاً منهم انهم وبعد ان امّنوا تدفق النفط الى مصانعهم وشوارعهم وتدفئة منازلهم، بان ليبيا الصغيرة سكانياً والفقيرة عمراناً وبنى تحتية، ستدخل في مرحلة اعادة الاعمار، ما يُمَكِنهم من ضمان المزيد من الارباح والنفوذ وربما لاحقا اقامة قواعد عسكرية جوية وبحرية فيها، ليس فقط لإعادة استعمار ليبيا بل ودائما في الاستفادة من اطاحة المزيد من الانظمة العربية لإراحة إسرائيل واعادة ترتيب المنطقة وفق الوقائع الميدانية التي افرزتها التدخلات الغربية الاستعمارية والنتائج التي افضى (وسيُفضي) اليها ما سُميّ بالربيع العربي.
كل ذلك بات من الماضي، فلا سوء الاوضاع في جماهيرية الاخ العقيد، قد بقي على حاله، ولا وعود ساركوزي وكاميرون وقيادة اوباما «من الخلف» للتدخل الاستعماري الغربي في ليبيا قد تحققت، بل باتت الهضبة الليبية عنوانا للفوضى وقاعدة لتصدير المهاجرين غير الشرعيين وهي في طريقها للتحول الى احدى بؤر الارهاب الاقرب الى اوروبا، التي لم تستيقظ الا بعد فوات الاوان، او على نحو ادق بعد ان وصل داعش اليها وغدا تسلل ارهابه الى اوروبا... مسألة وقت.
الغرب هو مَنْ يتحمل مسؤولية غرق ليبيا وشعبها في مأساته الراهنة، وهو اذ يستيقظ متأخراً.. الان، فانه يسعى الى استدراك الامور بعد ان وصلت الى نقطة اللاعودة ولم تعد واشنطن وباريس ولندن وحتى روما قادرة على ضبط الاوضاع او التحكم في مساراتها، وبخاصة اولئك العرب الذين توسلوا تدخلا غربيا لاطاحة القذافي ووصلت الحماسة ببعضهم الى المشاركة في هذه الاطاحة، فاذا ببعضهم الان يُبدي نوعا من الندم وان كان غيره ما يزال يُقيم في «عُرْسِ» فجر ليبيا، ويضفي عليهم المزيد من الهالة والقوة والعزيمة.
ثم..
اين هي الحكومة المُعترَف بها دولياً والمُقيمة في طبرق؟ وهل استنفدت دورها وحان وقت تبديل الحرس واليافطات لترتفع اسهم حكومة وحدة وطنية مأمولة؟ يتوقع كثيرون بانها لن ترى النور وسيضطر الذين التقوا في روما، ان يرجعوا الى العاصمة الايطالية «او غيرها» مرات ومرات، رغم كل تهديداتهم التي لا تقيم قوات فجر ليبيا ولا داعميهم من الاتراك والعرب، وزناً لها، وهم - مَن حضروا اجتماع روما الليبي - يرتكبون الخطأ «السوري» ذاته، عندما صمتوا على تدخل تركيا ــوبعض العرب في الازمة السورية وغضّوا الطرف عن تدفق آلاف المرتزقة عبر حدودها وتزويدها ومعظم مَنْ حضروا الى روما، ارهابيي سوريا بالسلاح والمال والدعم الاعلامي والاحتضان السياسي وغير ذلك من اسباب تسعير الازمة واشاعة المزيد من الدمار والخراب والفوضى فيها.
مؤتمر روما الليبي رقم «1»، لن يُحَقِق ما رمى اليه، حتى لو ذهب الموافقون عليه من الاطراف الليبية المنخرطة في الفوضى، الى الصخيرات المغربية للتوقيع على الاتفاق العتيد فانه لن يرى النور، ولن يتحقق على ارض الواقع، وستتواصل الفوضى والاقتتال في ليبيا، وسيجد داعش مناخاً مواتياً للبقاء والتمدّد.وهو ما أقَرّ به يوم أمس وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان بالقول:داعش بدأ «يتوغل» نحو الداخل الليبي للسيطرة على مخزون النفط وليس فقط آبار النفط.
(الرأي 2015-12-15)