حين نكون أسرى في اليمن

ما الذي يعنيه أن يكون المرء أسيرا أو أن يكون هنالك أسرى؟ الحرب هي المنطقة التي تنتج مفاهيم مقيتة كالأسر، حاولت العقائد السماوية والقوانين الوضعية تنظيمها والحد من تداعياتها المؤلمة.
أن يكون المرء أسيرا، معناه أن هنالك حربا. ولكنها حرب بين غرباء لم يتعرف أحدهم على الآخر. حينها يكون مفهوم الأسر مقبولا، باعتباره جزءا من تجليات الحرب المأساوية. هناك مقاتلون ينجون من الموت ولا تسنح لهم فرصة النجاة هربا فيقعون في الأسر.
وحدث من هذا النوع يمكن القبول به، على مضض، لأنه يملك تفسيرا.
أن يكون المرء أسيرا أفضل من أن يكون ميتا. خبر سعيد لأن عودة ذلك الأسير إلى حياته الطبيعية أمر مضمون ما إن تضع الحرب أوزارها.
ما لا يعقل في الأمر، أن يُؤسر المرء في وطنه ومن قبل إخوته المفترضين، وهو ما يقع في الحروب الأهلية التي غالبا ما تخلو من الإنصاف والحق. ذلك لأن الإبادة بدافع الانتقام الأعمى هي هدف تلك الحروب.
تُكلل الحروب الأهلية أطرافها بعار استثنائي لا يمحوه انتصار ولا تخفيه هزيمة ولا يطويه تبادل أسرى أو جثث مقتولين.
أن يؤسر المرء في وطنه هو حدث فاجع من النوع الفضائحي. أما حين يتبادل المتحاربون الأهليون أسراهم فإن ذلك التبادل يكون بمثابة إعلان رسمي لتلك الفضيحة واعتراف بها.
مناسبة كل هذا الحديث هي خبر تبادل اليمنيين لأسراهم.
لقد اكتملت عناصر الفضيحة اليمنية، فصار لزاما على المتحاربين أن يعبروا عن حسن نواياهم بتبادل الأسرى، الذين هم إخوة لهم في كل شيء.
سيكون على اليمنيين، آسرين وأسرى، أن يواجهوا تاريخا ينقصه الشعور بالاطمئنان إلى معنى أخوّتهم. فإذا كان من اليسير أن يكون اليمني أسيرا لدى إخوته اليمنيين، فهذا معناه أن كل يمني هو بالضرورة مشروع أسير.
وهو ما يعني أن حرية الإنسان في وطنه هي مجرد وهم.
فهل يتباهى الآسرون بما فعلوه، وهل سيفرح الأسرى بحريتهم؟
لقد حول المتحاربون وطنهم إلى مجموعة متفرقة من السجون يقبع فيها إخوتهم الأسرى.
كان من الممكن أن يتبادل اليمنيون أسراهم سرا فلا يسمحوا للقبح بأن يمشي على رؤوسهم بخيلاء شره. كان من الممكن أن يسلكوا طرقا تعيد لحمة أخُوّتهم إلى مكانها الطبيعي، وأن يوقفوا سيل الضغينة والبغضاء من خلال الانحياز إلى ما يجمعهم لا إلى ما يفرق بينهم.
ولكن الحوثيين لم يتمردوا على الحكومة وحدها، بل على الوطن كله. وهو ما جعلهم ينسفون، بيسر، كل ما يجمعهم بالآخر اليمني من ثوابت.
الآخر اليمني بالنسبة إليهم هو عدو، إن لم يتمكنوا من إبادته فإن أسره يستجيب لرغبتهم في الشماتة ويقوي من قدرتهم على التفاوض. لديهم بضاعة يتفاوضون عليها ويفرضون من خلالها شروطهم في حرب، أتوقع أنها ستكون نهاية لمطلبهم في حق المواطنة.
ما لم يتوقعه الحوثيون أن تقودهم أطماعهم إلى المكان الذي انتهوا إليه أسرى، وهوما أطاح بحقهم في أن يكونوا مشاركين في الحياة السياسية قبل المشاركة في الحكم.
ليس تبادل الأسرى بين اليمنيين لحظة مشرفة في تاريخ اليمن، بل هو مؤشر لتدني القيم الوطنية هناك، حيث تكمن الأسباب الموجبة لنشوب حرب عبثية ممرة، أرادها الحوثيون مناسبة للتعبير عن طائفيتهم، والقضاء على حالة التسامح الديني التي تميز بها اليمنيون.
سيعود الأسرى إلى حياتهم، غير أن أحدا من اليمنيين لن يقوى على استرجاع فكرته عن اليمن كبلد يضم الجميع. ما فعله الحوثيون حين حاولوا أن يأسروا اليمن سيجعل منهم أسرى لعزلة لن يغادروها أبدا.
(المصدر: العرب 2015-12-19)