2016... هل من جديد؟

مع كل نهاية عام واقتراب عام جديد، تتسارع الطلبات والأمنيات، بأن يكون العام الجديد، أفضل، ويحمل معه الأخبار السعيدة التي ينتظرها كلّ إنسان. ولكن في عالم السياسة الدولية، ليس هناك أمنيات بل هناك حسابات وتوقعات تفترضها نتائج حسابات السنة المنقضية، ولذلك لا يمكن انتظار هدايا السنة الجديدة، وانتظار ما إذا كانت هناك تغييرات جوهرية في العلاقات الدولية، إن لم يقع التمهيد لذلك فيما سبق من الأشهر التي انقضت.
في واقع الأمر، تكثر أماني المحللين والمراقبين لما يجري في الوطن العربي من أحداث مؤلمة، والجميع ينتظر أن تنقشع غمائم الاحتراب الأهلي، و أن يعود السلام إلى هذه الدول التي تعيش منذ سنوات تحت ضغوط عديدة أهمها غياب الاستقرار الأمني. لكن الواقع يثبت أن السنة الجديدة ستتكسر على أبوابها أغلب الأمنيات إن لم نقل كلها؛ والسبب هو أن العرب لم يزرعوا في حقل السياسة الدولية، حتى يحصدوا أشياء مهمة في السنة الجديدة.
على المستوى السياسي العربي، هناك تفاؤل بأن يقع التوجه جدياً نحو فضّ الخلافات البينية وإذابة الجليد المتراكم على كثير من العلاقات العربية العربية. ولكن التفاؤل وحده لا يكفي، وعلينا أن نقرّ بأنّ حجم الخلافات هو على درجة من التعقيد، بحيث يصعب التفاؤل بتجاوز تلك التعقيدات بمجرد انتقال العدّاد من سنة إلى أخرى. وهذه العلاقات شديدة التعقيد تتدخل فيها أطراف دولية وإقليمية، فجعلت من الاستحالة حلها داخل البيت العربي الواحد، هذا إن بقي أصلاً بيتاً يمكن تسميته بيت العرب. إن الأزمات العربية بحسب ما تعلن عنه مراكز البحث والتحليل الغربية، والتي تعتبر المحرك الأساسي للقرار في كبرى عواصم العالم، تشير إلى أن السنة الجديدة ستكون نسخة مطابقة للأصل من السنوات التي انقضت، كما تشير إلى أن الأزمات العربية لن تجد الطريق إلى حلّها.
أمّا على المستوى الأمني، فإن خطر الإرهاب مازال محدقاً بعدد من الدول العربية. ولئن كانت سنة 2015 هي سنة سوداء من حيث عدد العمليات الإرهابية ومن حيث النتائج التي خلفتها، فإنّ جلّ المؤشرات تذهب إلى أنّ الضغط على الإرهابيين في سوريا والعراق، سيدفعهم إلى الانتقال إلى مناطق أخرى تعتبر أكثر أمناً بالنسبة لهم، ويتخذونها قاعدة للانطلاق في تنفيذ مشروعاتهم التدميرية. وهنا لا يمكن الحديث إلاّ من زاوية العمل الجدي على محورين، الأول هو تفعيل التحالف الإسلامي، المشكّل أساساً لمقاومة الإرهاب. وهذا يفترض المرور السريع والفعلي، لتشكيل القوات، ولتمكينها من وسائل العمل وتدريبها للقضاء على الإرهاب في بيئات غير معروفة بالنسبة لها. المحور الثاني الذي يجب تفعيله هو محور القوات العربية المشتركة، وهي قوة عسكرية تم الاتفاق على تشكيلها في الدورة الأخيرة لمؤتمر قمة الدول العربية في القاهرة. والحقيقة أن التوجه نحو تفعيل هذه القوة سيكون عاملاً مهماً في تغيير إطار المعركة، وقد يدفع نحو انخراط أكبر عدد من الدول العربية، خاصة تلك المتضررة من الأعمال الإرهابية.
إذا نظرنا للوضع العربي من الناحية الاقتصادية، سنجد أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة وتواصل مظاهر الاحتراب الأهلي، فضلاً عن تهاوي أسعار النفط، وانحدار قيمة عدد من العملات الوطنية، هي كلها أسباب معطلة للتنمية بصفة عامة ومعطلة للنمو الاقتصادي بصفة مباشرة. ولذلك فإنّ استمرار خطر الإرهاب، كفيل بأن يعطل نوايا الاستثمار، ويساهم في تغييب الثقة في تلك البيئة العربية كبيئة جاذبة للاستثمار.
لا يمكن هنا أن ننكر أن هناك دولاً مستقرة وهي تواصل تحقيق نسب نمو مهمة رغم كلّ الأوضاع المحيطة بها، مثل المغرب والإمارات، ولكن الاستثناءات الإيجابية قليلة، في هذه الحالة العربية العامة. يشار إلى أن تقرير أداء الاقتصاد العربي الصادر عن الأمانة العامة لاتحاد رجال الأعمال العرب للعام 2014، أظهر أن حجم الناتج المحلي للدول العربية قد بلغ 2900 مليار دولار أمريكي مقابل 2800 مليار دولار خلال العام 2013 أي بنسبة نمو بلغت 3.8%. ووفقاً للتقرير، فقد شكل اقتصاد الدول العربية مجتمعة حوالي3.7% من حجم الاقتصاد العالمي خلال العام 2013 ونحو 9.7% من حجم اقتصاد الدول النامية والصاعدة، مشيراً إلى أن الاقتصاد العربي لا يزال يشهد تراجعاً في وتيرة نموه للسنة الثالثة على التوالي حيث أظهر صندوق النقد الدولي في تقرير له حول الاقتصاد العالمي أن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2014 لن يزيد على 2.6% أي أقل من معدل النمو العالمي وهو 3.3%. وطبعاً لا يمكن حصر نتائج 2015 عند مستويات أفضل من السنوات التي سبقتها، لاستمرار العوامل السياسية والأمنية غير المستقرة.
الوضع الاجتماعي في الدول العربية، لا يقلّ سوءاً عن الوضع الاقتصادي، لأن الأرقام تشير إلى أنّ نسبة البطالة هي في حدود 17 في المئة، لكنها تفوق ذلك بكثير عند الحديث عن بطالة الشباب. فقد باتت نسب البطالة تشهد ارتفاعاً متزايداً في معظم الدول العربية حتى في الدول المستقبلة للعمالة وتتزايد هذه النسب كما هو متوقع بين الشباب الداخلين في الفئة العمرية من( 1524) حيث تصل إلى ما يقرب من 30% بينما في العالم 14.4%، وهذا يعني أن هناك ما يقرب من 4.5 مليون شاب عاطل عن العمل.
وبالرغم من أن هذه الظاهرة تكاد تكون عالمية (60 مليون عاطل على مستوى العالم) إلا أن معدلات البطالة بين الشباب تصل إلى مستويات غير مسبوقة فتشير التقديرات إلى أن بطالة الشباب في كل من الجزائر 45.6% والأردن (حوالي 38.9% ) وفي مصر (25.8%) والعراق (45.4%) والسودان (41.3%)، وهذه البطالة تمثل ما يزيد على 47.44% من مجموع المتعطلين عن العمل في البلدان العربية وإن انخفضت هذه النسبة فهي لا تعني انخفاضاً في معدلات البطالة، بل اتساع البطالة لبقية الفئات العمرية مثل حالة المغرب (40%) وفلسطين (42%).
إن جملة هذه الحقائق، تجعل أي متابع للوضع العربي، يفكّر بطريقة عقلانية، يعتقد أنّ تحقيق الأمنيات بسنة جديدة أفضل ما سبق، يفترض جهداً حقيقياً للتغيير، وليس مجرّد أمنيات نضعها على عتبات سنة جديدة.
(الخليج 2015-12-24)