"نخب" تهريب النصاب

لا يليق بالمؤسسات الدستورية أن تتعامل باستخفاف مع قضايا الوطن الكبرى، وفي مقدمتها الهم الاقتصادي. وإن كان مجلس النواب، ومن ورائه الحكومة، قد استسهلا في السابق تهريب النصاب تحت القبة بنية التهرب من عقد جلسات ذات مضامين كبيرة، فإن خطر المديونية وتورمها يتطلبان جلسات وجلسات، لا أن يتهرب أولو الأمر من استحقاق مناقشة ما وصلنا إليه.
مديونية تورمت إلى 24.7 مليار دينار، وبما يقارب 35 مليار دولار حتى نهاية هذا العام. ونسبة تصاعد حجم المديونية في عهد حكومة د. عبدالله النسور تتجاوز
40 % بين رقم المديونية في 2012، والبالغ 17.6 مليار دينار، ورقمها اليوم. ومن اللافت أن خطر الديون الخارجية قد تضاعف خلال سنوات هذه الحكومة.
الارتفاعات والنسب المقلقة الآنفة ليست محل اهتمام فيما يبدو بالنسبة للنخبة التي تقود السياسة والاقتصاد في البلاد! المهم أن ينأى النواب بأنفسهم عن مواجهة مكلفة مع الحكومة، وفي الوقت ذاته تفكر الحكومة بتجنب هكذا مواجهة قد تصل إلى التهديد برحيلها، بعد أن تشتد ملامح الانتقاد والتشكيك بالسياسة الاقتصادية.
تهريب النصاب مسألة في غاية السهولة، فلا يوجد ما يؤرق الضمير! إذ البلد في رفاه كبير، والمواطنون لا يعرفون أين ينفقون ما تبقى لديهم من مدخرات قبيل نهاية العام. فوفرة المال تطغى على كل ما حولها، ولا مشكلات اقتصادية على الإطلاق!
أن تصل المديونية إلى 91 % من الناتج المحلي الإجمالي لا يعني الكثير! وأن تستمر الحكومة ومن ورائها الدولة كلها بالارتهان لشروط مؤسسات التمويل الدولية، ليس تشوها! وبين هذا وذاك ثمة حدود أغلقت، ونشاطات اقتصادية عطلت بالكامل كالنقل والتصدير، وأوضاع معيشية تزداد تعقيدا بالنسبة للمزارعين، ومثلها قدرات أرباب الأسر على التكيف مع الحالة الراهنة بكل ما فيها من تحديات.
لا داعي للكتيب الخاص الذي أعده رئيس الوزراء للدفاع عن سياسة حكومته الاقتصادية أمام مجلس النواب، فالمجلس لا يعنيه هذا الكتيب وتلك المرافعة، ولتفعل الحكومة ما تشاء، إذ ليس ثمة من يسائلها إذا فعلت بالشعب ما يستحق المساءلة والرقابة، وسواء ارتفعت المديونية 40 % أم 140 %، فإن الأمر تحت السيطرة، ولا داعي لمناقشة كل هذا القلق، والسلاح الأنجع هو الهروب.
وفي موازاة هذا العجز كله، تبدو مطالبات النواب برفع الحد الأدنى للأجور ذرا للرماد في العيون. فدورهم ليس المطالبة والمناشدة، وإنما الغوض في عمق السياسات الاقتصادية وتقديم الأفضل منها، كي تسهم في تحسين مستوى المعيشة، لا الهروب من مناقشة تلك السياسات والاكتفاء بمذكرة موقعة لرفع الحد الأدنى للأجور كجائزة يقدمها البرلمان للشعب في موسم الأعياد بنهاية السنة!
لا يوجد ما يدعو للتفاؤل مع هكذا إيقاع. ولا أعلم على من تقع مسؤولية مناقشة المديونية والسياسات الاقتصادية والمالية في ظل هذا الهروب المخجل؟!
(الغد 2015-12-29)