أروغان إذْ يَحّنُ إلى النموذج «الهِتلَرِي»!

لم ينجح البيان الذي صدر عن الرئاسة التركية، في تبديد الآثار الصادمة التي خَلّفها تصريح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد عودته من زيارة رسمية للسعودية، ضرب فيه مثالاً على «قوة» النظام المركزي «الرئاسي» الذي جسّده هتلر عند صعود نجم حزبه النازي في ثلاثينات القرن الماضي، وذلك ردّاً على سؤال حول سعيه لفرض النظام الرئاسي على تركيا.
التفسيرات المُطولة التي اضفاها البيان الرئاسي التركي، فشلت في اقناع الكثيرين بأن اردوغان لم يكن يعني ما قاله، بل هي اضافت سبباً «مقنعاً» آخر، بأن ما قاله الرئيس التركي لم يكن زلة لسان، بل هو بالفعل ما يطمح اليه في سعيه الدؤوب لشطب النظام البرلماني الحالي الذي ساد في تركيا منذ عشرينات القرن الماضي، وبعد الغاء دولة الخلافة العثمانية المحتضرة... حتى الآن، الامر الذي استفاد منه اردوغان شخصياً طوال اكثر من عقد من السنين كرئيس للوزراء يتمتع بكل الصلاحيات التي ينص عليها النظام البرلماني، مُهمِشاً في الوقت ذاته - حدود الازدراء - دور رئيس الجمهورية قائلاً في مناسبة وغير مناسبة، انه منصب الرئيس «شرفي» وان السلطة في يد رئيس الوزراء، ثم ما لبث بعد ان فقد «حقه» في الاستمرار بمنصبه كرئيس للوزراء وفق ما ينص عليه دستور حزبه، ان اتجه للاستحواذ على موقع الرئاسة في «قصر شنقايا الرئاسي»، الذي لم يجلس فيه لِلَحظة، بعد ان غادره رفيقه في تأسيس الحزب عبدالله غل، بل وضع يده على «القصر الأبيض» الفخم الذي زادت كلفته عن ستماية مليون دولار وكان مخصصاً لمجلس الوزراء، دافعاً الأخير نحو قصر شنقايا، مُحتفِظاً هو بالقصر الأبيض الذي اثارت فخامته وبذخه، مشاعر المواطنين الأتراك، وبخاصة ان الكشف عن أُبهّة القصر الابيض تزامنت مع فضيحة الفساد والملايين المُخبأة في صناديق الأحذية، التي تورط فيها نجله بلال وكثير من وزرائه وانجالهم والدائرة القريبة منهم..
ما علينا..
رَفَضَ الرئيس التركي التزام الدستور وراح يمارس صلاحيات رئيس الوزراء المنصوص عليها في النظام البرلماني، رغم انه لم ينجح - حتى اليوم - في توفير ثلثي اصوات مجلس النواب البالغ عددهم (550) نائباً, كي يُمرِّر مشروع قانون, يتم بموجبه تحويل النظام البرلماني (الحالي) الى نظام رئاسي، كما هي الحال في الولايات المتحدة, أو كما قال اردوغان في مؤتمره الصحفي «نظام هتلر» في المانيا.
ما يعني ان اردوغان منذ اكثر من عام ونصف، وهو يقود نظاماً رئاسياً غير مُعلن وغير دستوري، مُتدخِلاً في كل شيء، مُتصدِراً المشهد التركي في كل صغيرة وكبيرة, بل هو وإن كان استقال - اسمياً وشكلياً - من رئاسة الحزب، التي وضعها في عُهدة «تابعه» احمد داود اوغلو وهو الطارئ على حزب العدالة والتنمية الذي لم يكن من مؤسسيه بل وليس عضواً فيه الا منذ سنوات قليلة لا تزيد على اصابع اليد الواحدة, الا انه (اردوغان) مضى قُدُماً في قيادة «حملتي» الحزب الانتخابية، الاولى التي هُزِم فيها الحزب (10حزيران 2015) ثم المُبكِرة التي تآمر لفرضها على الجمهور والاحزاب التركية المُعارِضة، وتمّت في الاول من تشرين الثاني الماضي والتي حصل فيها حزبه على ما نسبته 2ر49% من الاصوات، ما مَكّنه من تشكيل حكومة مُنفرِدة، لا يحتاج فيها الى اصوات أي حزب معارض, كي يقود حكومة ائتلافية كما كانت حاله في حزيران الماضي.
ادار اردوغان ظهره لدستور البلاد وتصرّف كرئيس الولايات المتحدة، رغم تَعارُض ذلك مع الدستور، وهو الان يعمل بدأب ومثابرة مُستخدِماً كل وسائل الابتزاز والتهديد والترويض، كي يُقنِع احزاب المعارضة بتأييد مشروع القانون الذي يريد تمريره في البرلمان، مُستبعداً في الان ذاته حزب الشعوب الديمقراطي اليساري بأغلبيته الكردية، لأنه في نظره ونظر رئيس وزرائه اوغلو «حزب خائن» يؤيد حزباً ارهابياً (يقصد حزب العمال الكردستاني PRK) ويذهب رئيسه «ديمرطاش» الى موسكو مُطلِقاً تصريحات ضد تركيا.
في السطر الاخير..
حنين اردوغان أو تَمَثُّلَهُ بالنموذج «الهتلري»، لا يُفاجئ أحداً خصوصاً من يُتابع مسار حكومات حزب العدالة والتنمية، وما استطاع طوال ثلاثة عشر عاماً أن يُكرِّس دولة بوليسية مدنية في تركيا، لا تختلف كثيراً عن تلك التي ارساها ادولف هتلر في المانيا وقادت العالم الى حروب عالمية مُدمِرة, وليس مُستبعَداً أن تؤدي ممارسات اردوغان الى حرب كونية ثالثة، في ضوء التقارير التي تتحدث عن احتمال تدخل انقرة عسكرياً في سوريا على ما ذكرت مؤسسة «ستراتفور» الاميركية ذات التقارير والابحاث التي تتوفر على صدقية كبيرة.
تبقى الاشارة الى بيان الرئاسة التركي الذي حاول «نفي» اعجاب اردوغان بهتلر, عندما قال: الاساس في النظامين الرئاسي أو البرلماني، هو تطبيق مبدأ العدالة وتلبية توقعات الشعب.
اذا كان الامر كذلك - وهو كذلك - فلماذا كل هذا «الاصرار» على فرض النظام الرئاسي؟
(الراي 2016-01-03)