أحلام صغيرة !!

الاستطلاعات الفضائية التي تتكرر موسميا وفي مثل هذه الايام من عام تتوارى احلام الناس الحقيقية والصغرى خلف اجابات تصلح للعرض التلفزيوني ويبدو ان العيّنات التي يتم اختيارها ليست عشوائية على الاطلاق، ففي احدى الفضائيات تحدث اكثر من ستة اشخاص عن امنياتهم للعام الجديد وباستثناء واحد فقط تمنى ان يصبح سعر اللحم ربع ما هو عليه الان أجاب الخمسة الباقون بشفاه وألسنة تتحرك بعيدا عن قلوبهم، فمنهم من تمنى الوحدة العربية، ومنهم من كانت امنياته سياسية خالصة يعجز عن تحقيقها كوكب بكل من عليه انها الشيزوفرينيا ذاتها تعود في كل مرة بشكل مختلف، لكنها رغم تجلياتها تبقى ذات جذر تربوي واحد، يتلخص في ان الذات المقهورة تعلن غير ما تُبطن وثمة كلام في النهار يقابله وعلى النقيض منه همس في الليل ! ولا ادري لماذا يخجل الناس في بلادنا من البوح بما يدور في أذهانهم، ويلتقطون كلمة من هنا او من هناك من اجل صياغة ما يسمى في ادبيات الظاهرة الصوتية الكلام الكبير، فقد يكون احد الناس يحلم بتحسن ولو طفيف يطرأ على راتبه او بترقية تسقط سهوا من الحاسوب، لكن ما رسخه الاعلان العربي فينا هو ان يعيش في داخل كل مواطن دكتور جيكل ومستر هايد، وربما لهذا السبب لا تترجم الاقوال الى ممارسات ، وتكون حتى حواراتنا سواء اليومي منها او المبثوث عبر الشاشات على طريقة اياك اعني واسمعي يا جارة . وهناك تجارب استطلاعية ميدانية منها ما يتعلق بأخطر القضايا وبمصائر اوطان لا يمكن الاركان اليها لأن الاجابات فيها معروفة مُسبقا، ونادرا ما يجازف شخص كما جازف ذلك الرجل في استطلاع العام الجديد حين قال انه يحلم بتخفيض سعر اللحم ! وبالفعل هناك تجربة قام بها د . حليم بركات في احد المخيمات بعد حرب 1967، وانتهى الى ان الاجابات حول اسباب اللجوء كانت منسوخة عن بعضها بالكربون، لأن مساحة الحرية في العالم العربي لا تتيح لأي فرد ان يقول ما يفكر به فعلا وذلك لاسباب اجتماعية من صميم التخلف منها خشيته من ان يعيّره الاخرون باعترافاته ويعاقبوه على صدقه ! ان الاحلام الصغيرة قابلة لأن تترجم الى واقع، وعلينا ان لا نخجل منها، لأن الافراط في استخدام الكلام الكبير او ما كان ارنست همنجوي يسميه ساخرا ورقة الألف دولار يتحول الى فقاعات في الهواء !
(الدستور 2016-01-03)