ورطة إيران مع «الاستكبار» الروسي

تم نشره الأربعاء 06 كانون الثّاني / يناير 2016 12:45 صباحاً
ورطة إيران مع «الاستكبار» الروسي
ياسر الزعاترة

لم تبدأ ورطة إيران عمليا مع “الاستكبار” الروسي من امتناع موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي طالب الحوثيين بالانسحاب من المناطق التي احتلوها، فذلك موقف تم ابتلاعه بقدر ما من التفهم المشوب المرارة، لكنه بدأ عمليا منذ اللحظة التي تجرّع فيها الإيرانيون كأس السم، وطالبوا بالتدخل الروسي المباشر في الحرب بسوريا، وصولا إلى زيارة بشار الأولى خارج سوريا إلى موسكو، والتي بدت كما لو أنها بيعة منه للسيد الروسي، وتهميشا للسيد الإيراني الذي كان يعتقد أنه وضع يده على البلد، أو الجزء الذي يسيطر عليه بشار منه بتعبير أدق، وهو وضع لا تغير فيه كثيرا زيارة بشار إلى طهران التي كان لا بد منها لترميم الموقف، والتي توقعناها منذ لحظة الإعلان عن زيارته لموسكو. نفتح فاصلة لنشير إلى قول بشار الأسد في خطاب له قبل شهور، إن سوريا ليست للسوريين، وإنما لمن يدافعون عنها، ما يعني أن من الطبيعي أن تكون لإيران وأدواتها أكثر مما للروس، فالأخيرون لم يدفعوا سوى القليل؛ مالا وسلاحا ورجالا، بينما قدمت إيران عشرات المليارات حتى الآن، إضافة إلى آلاف القتلى من الأتباع، والمئات من أبنائها. تبدأ الإشكالية الإيرانية مع روسيا من لحظة التوصيف، فالأخيرة اليوم لا تختلف كثيرا عن الولايات المتحدة من حيث كونها قوة إمبريالية تبحث عن المصالح والنفوذ، وما فعلته في أوكرانيا، لم تفعله أمريكا مع تمرددول أمريكا اللاتينية عليها في العقدين الماضيين، ومن هنا، فهي بالضرورة لا تقدم وجبات مجانية لأحد. أما العلاقة مع الكيان الصهيوني، فهي في حالة روسيا لا تقل حميمية عنها في حالة الولايات المتحدة، ومن العبث تسويق حكاية المقاومة والممانعة في ظل التدخل الروسي، وما التنسيق المتقدم بين الطرفين الروسي والإسرائيلي سوى دليل بسيط. وإذا قال البعض إننا نمارس التحليل، وربما تسويق الأمنيات، فإن الشكوك الإيرانية حيال “الاستكبار” الروسي لم تعد من الأسرار، وما لا يقوله السياسيون، تتولى المواقع والصحف ومراكز الدراسات التعبير عنه، فهذا مركز دراسات الدبلوماسية الإيرانية، وهو من أهم مراكز البحث في إيران يقول صراحة إن “دخول الروس إلى الساحة السورية يهدد المصالح الإيرانية؛ ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة كلها”. ولا يتوقف الأمر هنا على تهديد المصالح، بل وصل الحال حد اتهام طيران الروس بقصف مواقع للحرس الثوري بسوريا، كما فعل موقع “سحام” المقرب من القيادي الإصلاحي مهدي كروبي، ولم يتردد كثيرون في اتهام موسكو بالتواطؤ مع الصهاينة في اغتيال سمير القنطار، بل إن باحثين ذهبوا إلى التشكيك في الأسباب التي أدت إلى تصاعد الخسائر في صفوف حزب الله والحرس الثوري، وردها إلى القصف الروسي. بعيدا عن تفصيلات كثيرة من هذا النوع، فإن الثابت أن التناقض بين الروس والإيرانيين في سوريا لم يعد سرا، لكن الأمر يتجاوز سوريا بحسب مركز دراسات الدبلوماسية الإيرانية، ذلك أن بوتين ليس شيوعيا ينشر أفكاره، بل هو قائد قوة تبحث عن مصالحها، ويمكنها تبعا لذلك أن تدخل في صفقات من شتى الألوان مع الآخرين من خصوم وأعداء إيران، لا سيما أنه لا يطمئن تماما إلى الوضع داخل إيران، لجهة تصاعد النفوذ الإصلاحي الذي سيكون أقرب إلى الغرب منه إلى روسيا. أما الأهم، فهو أن قدرة بوتين على احتمال الخسائر ليست كبيرة؛ لا بشريا ولا اقتصاديا، وهو ما قد يدفعه إلى ترتيب صفقات تتجاهل الهواجس الإيرانية الأقرب إلى الأحلام الطائفية؛ منها إلى الواقعية السياسية. هكذا، يتأكد العقلاء من عبثية مشروع التمدد الإيراني، وكلفته الكبرى باستعداء غالبية الأمة، مع الأكلاف الأخرى التي تحدثنا عنها آنفا، لكن الفرصة ستبقى متوفرة لصفقة متوازنة مع تركيا والعرب توفر تعايشا ومصالح للجميع، وهي صفقة يمكن أن تتم بعيدا عن الاستكبار الأمريكي والروسي في آن، لو توافر المنطق والرشد.

(الدستور 2016-01-06)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات