البلطجة الروسية

تم نشره الأحد 24 كانون الثّاني / يناير 2016 01:17 صباحاً
البلطجة الروسية
حمزة منصور

لست معنيا بانتقاد روسيا لأنّها دولة عظمى، أو عضو دائم في مجلس الأمن، أو تحمل عقيدة دينيّة وسياسيّة تخالف عقيدتي، بل كنت أحد الّذين يتطلعون إلى دور روسيّ فاعل يضع حدا لتفرّد الولايات المتحدة بعد أفول الاتحاد السّوفيتي، ولكن حين تغدو روسيا دولة غازية تسعى للتّوسع والهيمنة، وتقف مع الأنظمة المستبدّة في مواجهة الشّعوب يتحتّم عليّ وعلى كلّ منصف أن ينظر إليها بالمنظار ذاته الذي نظرنا من خلاله إلى الإدارة الأمريكيّة فترة حكم «البوشين» الأب والابن.

فروسيا اليوم فتحت شهيتها للغزو، واشتاقت إلى إشعال الحروب، فبعد توقّف فرضته هزيمتها في أفغانستان على أيدي الحفاة العراة العالة، وجدت فرصتها في سوريّة، لتبني ما شاءت من القواعد العسكريّة، ولتفرض شروطا مذلّة على نظام لم يعد يعبأ بالسّيادة والكرامة الوطنيّة، مستغلّة شعار الحرب على الإرهاب، الذي بات ضوءاً أخضر لكلّ الحاقدين على العرب، مستفيدة من تردّد الرئيس الأمريكيّ، الذي يوشك أن يغادر البيت الأبيض، والمسكون بعقدة الهزيمة في أفغانستان والعراق.

روسيا هذه جاءت إلى المنطقة بأساطيلها البحريّة، وبأحدث طائراتها، بما فيها التي لم تدخل مجال الخدمة إلا مؤخراً، وبصواريخها العابرة للقارات، ليس لمواجهة دولة عظمى، أو جيش نظاميّ، وإنّما لتلقي بحممها على المدن والبلدات السوريّة لتحولها إلى ركام على رؤوس ساكنيها، دون أن ينال التّنظيم المستهدف من غاراتها إلا النزر اليسير.

ولم تكتف روسيا بالعربدة في سماء سوريّا، وإنّما راحت تتحرش بتركيا، لأسباب تاريخيّة، وربما حسدا لتركيا الّتي تمضي قدما لاستعادة هويّتها الحضاريّة، وبناء دولة عصريّة، تمتلك مقوّمات النّهوض الحضاريّ، إلّا أنّ تركيا قبلت التّحدّي، وانتصرت لسيادتها الوطنيّة، غير عابئة بالتهديدات الروسيّة.

روسيا اليوم، وبعد أربعة أشهر من غزوها لسوريّا، دون أن تفلح في إحداث تغيير جوهريّ في معادلة الصراع، تسعى لإفشال المفاوضات بين المعارضة والنّظام، المتّفق على بدئها في الخامس والعشرين من الشّهر الجاري، حيث أصرّت على استبعاد فصيلين رئيسين من عضويّة وفد المعارضة، بدعوى أنّ جيش الإسلام وأحرار الشام تنظيمان إرهابيان، وحين مضت المعارضة قدما في تشكيل وفدها، وبملء إرادتها، ووفقا لما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر الرّياض، عملت موسكو على تأجيل عقد المؤتمر، كورقة ضغط على المقاومة، وعلى الدّول المتعاطفة مع الشّعب السوريّ، للاستجابة لمطلب روسيا بتوسيع وفد المعارضة، ليضم عددا من عملائها إلى الوفد، بل ذهبت إلى مدى أبعد، حين هدّدت بتشكيل وفد ليفاوض باسم المعارضة، وهذا أغرب مطلب في تاريخ المفاوضات، فالصّراع الدائر اليوم في سوريا بين نظام أعمته شهوة الحكم، فدمّر البلد، وشرّد نصف الشّعب وقتل قرابة نصف مليون مواطن، وزجّ بقرابة مائتي ألف في السّجون، مارس بحقّهم من ألوان العذاب ما يذكّرنا بمحاكم التّفتيش في اسبانيا وبين شعب انتفض ضدّ الاستبداد والفساد، واضّطر إلى حمل السّلاح للدّفاع عن نفسه، فما محل عملاء روسيا والنّظام الآيل للسّقوط في العمليّة التفاوضيّة إلا أن يكونوا جزءاً من وفد النّظام؟

وما هو المنطق الذي يحكم السّلوك الرّوسيّ إزاء هذه الاشتراطات؟ حقّاً إنّه منطق البلطجة الذي لا يقيم وزناً للقوانين والأعراف الدوليّة. ويبقى الشّعب السّوريّ، الذي صمد على مدى خمس سنوات في مواجهة الآلة العسكرية والحقد الطائفي صاحب القرار.

(السبيل 2016-01-24)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات