ربيع بين رمادين !!
![ربيع بين رمادين !! ربيع بين رمادين !!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/2c32edeeca8fa51f970aaf5903835421.jpg)
بين البوعزيزي الذي انتهى الى فحم بشري عام 2011 واليحيوي الذي احرق نفسه قبل ايام خمسة اعوام تعددت اوصافها وقرئت ايامها ولياليها تبعا للنوايا، البوعزيزي بائع متجول تلقى صفعة من شرطية وقرر الانتحار وتطاير الشرر من تونس الى مصر واقطار عربية اخرى، وقيل يومئذ ان غبار اللقاح حمل الياسمين الى فضاءات مليئة بالاكاسيد ويندر فيها اكسجين الحرية . فهل تخلّقت العنقاء العربية من رماد البوعزيزي ام ان الاقفاص كانت بانتظارها ؟ الاجابة ليست منوطة بشخص او طرف مهما بلغ من ادعاء الحكمة . انها من مجمل هذا الواقع الذي يعج بالفوضى، ويختلط فيه حابل الاحلام بنابل الكوابيس ... اصبح معروفا سبب انتحار البوعزيزي حرقا، وان كان رئيس بلاده الذي لاذ بالفرار قال في الربع ساعة الاخير من حكمه الذي دام عقودا انه فهم .. لكن بعد فوات الاوان، لكن لماذا احرق اليحيوي نفسه في ذكرى ما سمي الربيع العربي ! هل لأن الثورات تخطف ايضا ام ان هناك اصابع لعبت بالبوصلة ... الاسباب عديدة .. لكنها في النهاية تؤدي الى النتائج ذاتها . ان الشعوب منذ اسبارتاكوس حتى آخر بيان صدر اليوم عن حزب او قبيلة او طرف مجهول الاسم والعنوان تكتشف ان العواصف التي انتظرت هبوبها لم تكمن كما تشتهي سفنها الشراعية وقواربها الصغيرة، فما من ثورة لم تتعرض لسطو او اختطاف، وكما قال تشي جيفارا فإن الثوار يموتون وهم الوقود لكن من يجني الثمار هم الذين حرصوا على البقاء على قيد الحياة بأي ثمن ! فأي ربيع هذا الذي يحاط بقوسين من الرماد ؟ وهل يحتاج العرب كل خمس سنوات الى وليمة من الفحم البشري كي يبلّغوا العالم رسالة لم يجدوا حتى حمامة او غرابا زاجلا يحملها ؟ ومن يتوهمون ان هذا الخطاب المتحفظ على حراكات عمياء تنقصها البوصلة هو الدفاع عن الاستنقاع المزمن، فالفارق جوهري بين استقراء حقيقي وبين استنقاع مفروض بالقوة الغاشمة . وما كتبناه في هذه الزاوية وسواها من الصحف العربية عوقبنا عليه مرارا، لكن من عاقبونا هم الان الذين يسطون على اقوالنا وآرائنا كما يسطو قراصنة الثورات على شهدائها !!
(الدستور 2016-01-24)