أوروبا تصادر حق اللاجئين
![أوروبا تصادر حق اللاجئين أوروبا تصادر حق اللاجئين](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/51bde1ac005a97f9d53bb6d0feda21c0.jpg)
إذا نفذت السويد وفنلندا وهولندا ودول أوروبية أخرى تهديداتها بترحيل عشرات آلاف اللاجئين، فيعني أن انقلاباً قيمياً كبيراً ضرب الاتحاد الأوروبي، ومكّن اليمين المتطرف من تحقيق هدفه في مصادرة حق تلك الجحافل من البشر في الاستجارة بتلك البلاد، بعدما مارس حملة عنصرية وكراهية جبارة.
التغير الأوروبي الطارئ حيال اللاجئين بدأ مع أحداث «التحرش» التي وقعت في مدينة كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة، وأثارت غضباً وسخطاً مشروعين من صنيع مجموعة من الشباب الطائش، بيد أن المستغرب أن معظم المهاجرين واللاجئين في أوروبا كلها يراد لهم أن يتحملوا وزر تلك التجاوزات، وهو ما يترتب التوقف عنده بحثاً في أبعاده، فمن غير المستبعد أن تكون تلك الأعمال المدانة مقصودة لتوفير أداة لليمين المتطرف لتعبئة الرأي العام الأوروبي في التحريض على الأجانب، لا سيما وأن تلك الحادثة استتبعتها اعتداءات على مراكز إيواء للاجئين وصلت حد إلقاء قنابل ومواد حارقة، بالتوازي مع مضايقات واعتداءات لفظية جارحة. وقد نجحت هذه الحملة إلى حد كبير في قلب السياسات الأوروبية، لا سيما في ألمانيا التي استقبلت ما يربو على مليون لاجئ العام الماضي أغلبهم من سوريا المدمرة بفعل الحرب الطويلة. وزعيمة مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أصبحت في موقع دفاعي ضعيف، ليس بسبب الضغوط الداخلية، وإنما بسبب الإجراءات التي اتخذتها دول في جوارها. فدول شرقي أوروبا تتصاعد فيها نبرة الرفض لاستقبال اللاجئين، وأغلقت بولندا وتشيكيا والمجر وغيرها حدودها، ونشرت جيوشها والأسلاك الشائكة منعاً لأي تسرب، وهناك نوايا معلنة لتصعيد هذه الإجراءات تصل إلى التلويح بحملة قارية لترحيل مئات آلاف المهاجرين بدعوى الخشية من وجود «إرهابيين» تسللوا مع قوافل اللجوء، وإذا تم الوصول إلى هذا الوضع المفترض، فلن تكون أوروبا كما كانت، ويعني أيضاً أن الأوضاع المأساوية في الدول التي هجرتها شعوبها ستتفاقم بشدة، وستسقط في مستنقع الجريمة والإرهاب، وآنذاك لن تكون أوروبا في مأمن حتى وإن طردت كل الأجانب المقيمين على أراضيها.
قد يكون للدول الأوروبية الحق في تأمين أراضيها وشعوبها واتخاذ ما تراه مناسباً لتحقيق ذلك، ولكن تلك الحقوق لا تبيح لها التعدي على حاجة مئات آلاف اللاجئين الفارين من الفاقة والموت والإرهاب في مكان ما يوفر الحد الأدنى من الأمن والكرامة، فاللاجئون إلى أوروبا لم يندفعوا إليها للسياحة، وإنما لأن دولهم دمرت تقريبا وساهمت السياسات الأوروبية والغربية، بصور مباشرة وغير مباشرة، في ذلك التدمير المنهجي، وفي تأجيل الحلول للعديد من الأزمات المشتعلة. وهذا الدور الموثق لا يعفيها من المسؤولية في ما يجري، كما لا يسمح لها بطرد أي لاجئ أو مهاجر إذا لم يتوفر له البديل الآمن، وكان طرده سيلقي به إلى المجهول أو يقوده إلى الهلاك.
حين تؤكد التقارير الأممية أن أكثر من 5000 آلاف لاجئ، وكلهم قادمون من بلدان الحروب، قد لقوا حتفهم غرقا في البحار المحيطة بأوروبا جنوباً وشرقاً، ألا يكفي ذلك عبرة لأوروبا لتقتنع بأن مئات الآلاف الذين وصلوا إليها، كانوا كلهم معرضون للموت في الطريق، أولم تساهم صورة الرضيع السوري إيلان كردي في إحياء الوازع الإنساني في العالم كله، وتسابقت العواصم في استقبال اللاجئين، ولكن يبدو أن الدعاية المناهضة قد قلبت المعادلة كلها، وهي التي تقود حملة لطرد اللاجئين، مثلما قلبت بسخرية شيطانية صورة الطفل إيلان كردي متحرشاً بالنساء الألمانيات بدلاً من أن يظل ضحية خالدة بين المضطهدين.
(المصدر: الخليج 2016-01-30)