أستغفرُ الله!

تم نشره الجمعة 12 شباط / فبراير 2016 01:14 صباحاً
أستغفرُ الله!
محمد أبو رمان

غرقتُ في الأسابيع القليلة الماضية في بعض الروايات لأدباء من العراق وسورية، تتحدث جميعاً عن الوضع القائم والتوقعات المستقبلية. لكنّها جميعاً مغلّفة بحالة تشاؤم وحزن شديد، ومسكونة بهاجس القلق الكبير على المستقبل، فضلاً عن رائحة الدماء والجثث والفوضى وغياب العدالة التي تطفح من الواقع إلى صفحات تلك الروايات!

من تلك الروايات المثيرة والمهمة رواية "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد السعداوي من العراق (وحصلت على جائزة "البوكر العربية" سابقاً، وسيقوم المؤلف في 20 الشهر الحالي بتوقيعها برعاية مؤسسة فريدريش إيبرت في عمان). وهي تتحدث عن الحالة الراهنة في العراق، وتعيد استنساخ أو إنتاج فكرة فرانكشتاين (الكائن المسخ الغريب الذي يقتات على الدماء)، لتطبيقها على الحالة الاجتماعية اليوم، بخاصة المليشيات المتقاتلة على الهوية، والتي تنمو وتترعرع في الفوضى وانعدام الأمن والإحباط.

ومن تلك الروايات، أيضا، رواية علي بدر "الكافرة". وتتحدث عن قصة امرأة تعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية قهرية، ويقوم زوجها ووالدها بتنفيد عمليتين انتحاريتين مع جماعة متشددة. وتتناول الحياة تحت ظل الجماعات المتطرفة، ثم الوصول إلى الهجرة بوصفها حلاً. لكن الرواية تتركنا مع أشباح الأوطان العالقة فينا، حتى في بلاد الهجرة الجميلة!

"الموت عمل شاق"، رواية جميلة لخالد خليفة الروائي السوري، الذي كتب سابقاً مديح الكراهية (التي تحدثت عن تجربة الصراع بين النظام والإخوان المسلمين في عقد الثمانينيات)، بينما في روايته الجديدة يتطرق إلى الحرب الداخلية في سورية، وتأثيراتها التي ليس من السهل رصدها سياسياً وإعلامياً واقتصادياً على الإنسان والثقافة والمجتمع والعلاقات بين البشر. وترصد العقل الباطن لأبطال الرواية، والتدمير الأخطر الذي حدث في المجتمع عبر العقود الماضية، وهو تدمير الأخلاق والمظلة القيمية.

الرواية التي ما أزال مشدوداً إليها، وأقرأ بها حالياً، وأصبحت تسكن تفكيري وهواجسي، هي للروائي والأديب الجزائري المعروف واسيني الأعرج، بعنوان "2084؛ حكاية العربي الأخير". وسأعود إليها بالضرورة، في الأيام المقبلة عندما أنهيها، لكن بيت القصيد هنا فكرتها الرئيسة الرائعة المحبوكة. إذ إنّ بطل الرواية؛ آدم، هو عالم فيزياء نووية عربي في الولايات المتحدة الأميركية، محجوز في قلعة أميركية في صحراء الربع الخالي، في العام 2084، ويحمل الجنسية الأميركية. بينما تتحدث الرواية عن الشعوب والمجتمعات العربية في مرحلة ما بعد النفط، التي عادت إلى حالة القبائل البدائية، تتصارع فيما بينها على الطعام والماء، وتعاني التهميش والمجاعة والحروب. وهناك منظمة دولية معنية بالعرب اسمها "منظمة الدفاع عن حقوق الأجناس الآيلة للزوال"، وفي مقدمتهم العرب طبعاً!

الرواية تتحدث، عملياً، عن نبوءة مرعبة، من وحي التطورات الجارية في العالم العربي، وهي انقراض العرب سياسياً وحضارياً وثقافياً. وتستلهم مصطلحات ورموز من رواية جورج أورويل الشهيرة "1984"، باعتبار أنّه في العام 2084، سيكون قد مرّ على عنوان تاريخ رواية أورويل عن الأخ الأكبر مائة عام.

نزعة الخوف والقلق والتشاؤم من المستقبل ليست جديدة أو بدعة في الرواية العربية. لكنّ هناك "طفرة" كبيرة في إنتاج روايات وأعمال أدبية، كمّاً وكيفاً، بخاصة من الروائيين العراقيين والسوريين (قرأت عن رواية جديدة عنوانها "عطارد"، مرشحة للقائمة القصيرة للبوكر العربية، لروائي مصري، تتحدث عن المستقبل، فيها نزعة مشابهة لهذه النزعة العراقية-السورية! التي تعكس مزاجاً عاماً محبطاً مرعوباً من المستقبل).

الحلم بالربيع تحوّل إلى كابوسٍ حقيقي؟ وصرنا نشعر أنّه ليس مؤقتاً أو عابراً، ليستيقظ منه الإنسان فيقول: أستغفر الله العظيم من هذا الكابوس؛ فهناك ملايين يكتوون يومياً بهذه المحرقة، وأجيال كاملة تنضج أرواحها ووجداناتها على نارها تعدنا بما هو أسوأ.. أستغفرُ الله!

(الغد 2016-02-12)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات