الحقبة الناصرية 1952- 1970
لثورة 23 يوليو المصرية دور مهم في الحياة العربية المعاصرة ، وقد شهدت تطورات جذرية جعلتها تبدأ شيئاً وتنتهي شيئاً آخر تماماً.
فقد بدأت انقلاباً عسكرياً تقليدياً شأن الانقلابات التي قامت في دول العالم الثالث كلما بدت إمكانية إفلات الزمام من أيدي الحكم إلى الشارع ، ومثل الانقلابات التي وقعت قبل ذلك في سوريا ، بل إنها تحالفت مع تلك الانقلابات السورية وأظهرت قدراً من الامتعاض عندما استطاعت سوريا إسقاط حكم أديب الشيشكلي وإعادة بناء حياة نيابية على الأسس الديمقراطية.
بدأت (الثورة) بشعار الاتحاد والنظام والعمل ، ثم الاشتراكية الديمقراطية التعاونية ، قبل أن تصل إلى الحرية والاشتراكية والوحدة التي كانت راسخة في أدبيات الأحزاب والحركات السياسية العربية كحزب البعث.
وقد بدأت الناصرية بهيئة التحرير والتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ، ثم أسست الاتحاد القومي، فالاتحاد الاشتراكي. وشرع الرئيس جمال عبد الناصر بتأسيس الحركة العربية الواحدة. ولو أمد الله في عمره فلربما كان سيسمح بتأسيس حزب طليعي ليكون بمثابة العمود الفقري لهذه الأجسام الكبيرة وغير الفعالة ، التي تضم ظاهرياً كل الناس ولكنها في الحقيقة لا تضم أحداً.
نتائج الناصرية كانت مختلطة ، فمن الناحية الإيجابية أمكن كسر احتكار السلاح ، وأخذ موقف الحياد الإيجابي ، وتحـدي المصالح الاستعمارية ، وتأميم قناة السويس ، وبناء السد العالي ، وإحداث ثورة اجتماعية بشكل تطوير اقتصاد لا رأسمالي ، وتأكيد عروبة مصر بشكل نهائي ، كما استطاعت الحركة أن تقدم دولة عربية قائدة ، وقائداً عربياً معترفاً به وبالتالي إرادة عربية واحدة وآلية لتحريك النظام العربي وتحقيق نوع من الإجماع في وجه التحديات وفي أوقات ومراحل منتخبة.
أما من الناحية السلبية فقد قضت (الثورة) على دور الشعب في الحياة العامة ، وحلت الاحزاب السياسية الفاسدة وغير الفاسدة ، وأسقطت مفهوم الحزبية والتنظيم الشعبي من عقل المواطن العربي ، وفشلت في السودان ، وتورطت في اليمن ، وارتكبت أخطاء قاتلة في الإقليم الشمالي أدت إلى الانفصال ، وأخيراً هزمت في وجه إسرائيل عام 1967 ، فانفتح الباب لانهيار فكرة القومية العربية والديمقراطية السياسية وبدأ ما سمي بالزمن العربي الرديء الذي ما زال يتردّى منذ عام 1967.
(الرأي 2016-02-12)
