الحلقة المفقودة بين التعليم والموارد

تم نشره الأربعاء 17 شباط / فبراير 2016 12:36 صباحاً
الحلقة المفقودة بين التعليم والموارد
إبراهيم غرايبة

يفترض أن يسير التعلم، كما هو على مدار التاريخ والجغرافيا، في اتجاهين: العلم المجرد المستقل بذاته باعتباره تعبيرا عن الاتجاه الإنساني للبحث عن الإجابات والمعنى والجدوى والارتقاء؛ والتعليم الفني أو المهني الذي يؤهل الناس للحياة والعمل، فيوفر المعارف والمهارات الأساسية والعامة ثم المتخصصة في اتجاهات العمل والسوق والموارد. ويبدو واضحا اليوم أن العلوم الانسانية والاجتماعية والعلوم البحتة (الفيزياء والرياضيات...) تواجه حالة من العزوف والإعراض. وفي المقابل، فإن التخصصات المهنية، مثل الطب والهندسة والصيدلة والمحاماة والمحاسبة والتعليم... تواجه اختناقات وتحديات، سواء في مستوى التعليم والتأهيل أو في سوق العمل. ونواجه، أيضا، حالة من الفشل في الحِرَف، سواء في مستواها اليومي والحياتي في الزراعة والبناء والصيانة والخدمات اليومية في البيوت والمحال التجارية والمطاعم والمقاهي، أو على مستوى المصانع والورش، أو الاحتياجات الأكثر تعقيدا وتقدما بشأن السيارات والأجهزة.

عندما كانت الحياة والأسواق امتدادا خطيا وتراكميا، كانت مدة التعليم الأساسي 4 سنوات فقط، وكانت الفلسفة الأساسية له أن يتعلم الطفل في مرحلة النشأة القراءة والكتابة والحساب والدين، ويأخذ قسطا من الآداب والعلوم والمهارات المعرفية، ثم يمضي في الحياة العملية؛ في الزراعة غالبا وما حولها، أو في الحرف والتجارة حسب السوق والفرص. وقد يمضي البعض في تعلم ذاتي مستمر في اتجاهات ومجالات متاحة أو يرغب فيها، وتواصل مجموعة قليلة من التلاميذ تعليمها الثانوي، لتعمل في المؤسسات التعليمية والعامة، وتكمل أقلية من الأقلية تعليمها الجامعي.

لم يكن يزيد عدد خريجي الثانوية على مدى عقد الأربعينيات عن 60 طالبا. ويذكر الراحل د. عبدالكريم الغرايبة أنه في السنة التي أنهى فيها الثانوية في أوائل الأربعينيات، نُشر مقال صحفي يقول إننا في مواجهة كارثة وتحد كبير؛ كيف ندبر وظائف لهذا العدد الكبير من خريجي الثانوية وأين سيذهب هؤلاء؟

ثم دخلنا (الدولة والمجتمعات) في مرحلة سريعة من التحديث والتحول، منقطعة عن الماضي. ونواجه اليوم تحولات وتحديات جديدة مستمدة من حالتين لا يمكن تجاهلهما: الأولى، هي الاختلال بين اتجاهات التعليم واتجاهات السوق والحياة ومتطلباتهما، وفي السياسات العامة والتعليمية. والثانية، هي التحولات التقنية والعلمية الكبرى التي تنشئ أعمالا جديدة، وتلغي أو تحول أعمالا قائمة.

في حالنا القائمة على ذهاب الأذكياء إلى الطب والهندسة، والأقل ذكاء إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية والبحتة، ننتج قادة ووزراء ومدراء وأساتذة غير مبدعين. وفي عزوف الأذكياء والمتفوقين عن العمل في التعليم والوظائف العامة، تضعف الإدارة العامة، وتكون بطبيعة الحال اتجاهات التخطيط والإنفاق والتنمية فاشلة أو ضعيفة. وفي كثير من دول العالم، تبتعث الحكومات الأوائل والمتفوقين لدراسة العلوم السياسية والعلوم البحتة، مثل الفيزياء والرياضيات والآداب والفنون... وهي بذلك تسلم قيادة الدولة والمجتمع والعلم والبحث العلمي لأذكى مواطنيها.

بالتأكيد فإنني لا أطالب أن يذهب الشباب المتفوقون إلى العلوم الإنسانية والبحتة بدلا من الطب والهندسة مغامرين وعلى عاتقهم. ولكن يجب أن تهيئ الدولة والأسواق والمجتمعات فرصا مجزية للمتفوقين والمبدعين في المجالات الإنسانية والاجتماعية والعلوم البحتة، وهكذا يأتي المتفوقون إلى هذه المجالات. وبرنامج قضاة المستقبل نجح في استقطاب الحاصلين على أعلى المعدلات في الثانوية العامة، ويساعد ذلك أو يعطي فرصة كبيرة لجيل من القضاة الأذكياء والمبدعين.

(الغد 2016-02-17)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات