استشراق ناعم !!
![استشراق ناعم !! استشراق ناعم !!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/91cfdddf943b581183602bf1fcecb04f.jpg)
لم يسبق ان كان في التاريخ عصر يعج بالتناقضات والمفارقات كهذا العصر، بحيث يكتب على أغلفة السلع الضارة بالصحة كالسجائر تحذير من الاصابة بامراض قاتلة، وعلى الوجه الاخر يكتب ما معناه وعد بالسعادة، كما ان المهن القديمة ذات الاسماء الصريحة تم ادخالها هي ايضا الى هذه الحفلة التنكرية، فالسمسار رجل اعمال وعلاقات عامة، والبغي سيدة مجتمع وتاجر السلاح او الاعضاء البشرية من عليّة القوم . وفي هذا السياق تزامن الاستشراق العسكري في اقصى وحشيته كالحرب على العراق وافغانستان وتدخل حلف الناتو لاسقاط دول وأنظمة مع استشراق جديد ناعم، لا يمارس هجاء العقل العربي او السخرية العرقية من الشعوب المبتلاة بالاستعمار والتبعية، انه استشراق يلجأ الى العلم كذريعة في تشريح احوالنا، وقد ازدهر الاستشراق الناعم في السنوات القليلة الماضية، ومنه على سبيل المثال كتاب قرأته مؤخرا لمورال فايسباخ بعنوان المهووسون بالسلطة وهو تحليل سايكولوجي لأربعة من الزعماء العرب الذين عصف بهم حراك عام 2011، وكان سقوطهم بالتزامن الدراماتيكي هو ما اثار فضول باحثة في علم النفس السياسي، وهناك ايضا كتب صدرت بالانجليزية والفرنسية عن تحولات المجتمع العربي، وهي كما يبدو من اساليبها تحذر من استخدام مصطلحات الاستشراق الكولونيالي كي لا تنفر القراء العرب او تثير لديهم ردود افعال دفاعا عن النرجسية القومية الجريحة . والسؤال الذي فرض نفسه عليّ، هو هل اصبح قدرنا ان نكون اشبه بفأر ابيض في المختبرات النفسية ودوائر الاستراتيجيات المتخصصة في تجديد التبعية ؟ فأهم المصادر عن القرن التاسع عشر العربي الذي شهد نهضة واسعة لم يقدر لها النجاح وتم اجهاضها ليست عربية، وكذلك مصادر الابحاث المتعلقة بفترات الانحطاط . فهل كان ذلك بسبب قصور في الثقافة العربية ام بسبب الاستبداد الذي شمل الثقافة ايضا برعايته بحيث يؤثر الكاتب العربي السلامة ويحزر الخطوط الحمر ويبتعد عنها بالغريزة . ان من يفكرون الان نيابة عنا مثلما فعلوا من قبل عندما رسموا تضاريسنا السياسية يهددوننا هذه المرة بالطرد من التاريخ، وأسوا ما يمكن ان تتعرض له الضحية هو ان ينوب عنها الجلاد في كتابة مذكراتها !!
(الدستور 2016-02-17)