بيئة إبداعية
![بيئة إبداعية بيئة إبداعية](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/4368350498f26381ad60004476edbdf6.jpg)
يمكن اجتراح حلول وسياسات عملية من غير ثورة تعليمية (وإن كانت هذه الثورة قادمة حتما)، تساعد كثيرا في تطوير التعليم وتحسين البيئة المحيطة به. ففي هذا الاتجاه المجتمعي الغالب نحو تخصصات علمية ومهنية والعزوف عن أخرى؛ وفي الغياب المفزع في مجال التأهيل الحرفي والتقني، يمكن للمؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية أن تستهدف الطلبة في المدارس والجامعات، والشباب في أعمالهم وحياتهم اليومية، بمساقات وبرامج تعليمية إبداعية في الفنون والموسيقى والكتابة والرسم والنحت والتشكيل والمسرح والخطابة، وفي مهارات الحياة الأساسية، وفي الصيانة والأعمال اليومية والمنزلية. ولا بأس في تكرار الحديث عن ضرورة إعادة تعليم الفلسفة والمنطق ومهارات التفكير في المدارس والجامعات، لجميع التخصصات.
وبذلك، فإن المؤسسات التعليمية توفر مجالا للارتقاء بالإنسان مهما كان تخصصه وعمله، أو أن يمضي في اتجاهات إبداعية إضافة إلى عمله المهني، فيحسّن المهني من حياته أو يطورها، ويجد الحرفيون وغير المتعلمين تعويضا في هذه المواهب والمهارات يحسن حياتهم أو يمنحهم فرصا جديدة أو إضافية.
ويمكن لسياسات الابتعاث أن تحسن كثيرا في البيئة التعليمية والاجتماعية والمهنية والثقافية، ففي اتجاهات المنح والابتعاث يمكن اجتذاب الطلبة إلى مجالات تحبذها الدولة ولا تجد إقبالا مجتمعيا، ويمكن أيضا اجتذاب الأذكياء والمتفوقين إلى الوظائف التعليمية والعامة، إضافة إلى توفير الفرص والعدالة الاجتماعية للمتفوقين. وفي المقابل، فإن غياب العدالة في سياسات الابتعاث يعني أننا ننفق الموارد العامة لأجل الفشل والتدمير الذاتي، وهذه أسوأ كارثة يمكن أن تصيب التعليم ثم تمتد إلى المجتمعات والإدارة والأسواق.
الإبداع والتفوق ينشآن في بيئة محيطة اجتماعية وتعليمية وسياسية قائمة على العدالة وتكافؤ الفرص وتقدير المواهب والمهارات... وثقافة جمالية راسخة ومؤثرة. وهكذا، تتشكل القيادات الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والإدارية... ويمكن في أثناء ذلك أن يظهر مبدعون ومتفوقون على نحو استثنائي، فهؤلاء لا يأتون في طفرة. أما الحالات الفردية من الإبداع والتفوق فهي نادرة، والنادر لا حكم له.
البيئة الإبداعية ليست ترفا ولا عمليات إضافية منفصلة عن السياسة والأسواق والمجتمعات، ولكنها تنشئ متوالية متواصلة -وتبدو غير مباشرة- من الإصلاح والازدهار. فهي، أولا، تعني ببساطة أننا نضمن تسليم قيادة المؤسسات والمجتمعات إلى الأذكياء والمتفوقين. كما تفتح المجال للعاملين والمهنيين وكل المواطنين في أعمالهم ومواقعهم، أن يطوروا ويبدعوا في أعمالهم، وتتشكل حالات من الحوافز والدافعية للعمل والثقة. وهذه الحالات ببساطة هي ما يمكن وصفه بـ"بيئة إبداعية".
(الغد 2016-02-18)