سؤال «القمة العربية».. المُؤجَّل!

تم نشره الثلاثاء 23rd شباط / فبراير 2016 12:45 صباحاً
سؤال «القمة العربية».. المُؤجَّل!
محمد خروب

لم يَحْظ قرار المغرب «إرجاء» حَقِه في تنظيم دورة عادية للقمة العربية، التي كان مقرراً عقدها في السابع والثامن من نيسان القريب في مدينة مراكش، باهتمام كبير من قبل المُعلِقين والمُحلِلين وفرسان الفضائيات الذين تعج بهم استوديوهات الحكي والرغي والكلام المطلوب إسماعه للجمهور العربي, بعد أن بات مُنقسماً افقياً وعامودياً, تفتك به فتاوى الطائفية والمذهبية الظلامية, مُتخندقاً على الدوام خلف اسوار القُطرِية والجِهَوية والمناطِقية، تُحيط به الشكوك في الآخر (العربي) وبات يفضل الغربي والاسرائيلي على اي رابط وطني او قومي.

ليس الأمر مُبرَّراً، وبخاصة ان البيان المغربي شَخّصَ المشهد العربي بعبارات ومصطلحات دقيقة, نحسب أنها كانت ملائمة اكثر لفترات وعقود سابقة, ولم تتغير كثيراً في فترة ما بعد الربيع العربي الكارثي، إلاّ في بعض العناوين والاصطفافات, وبروز عواصم عربية مُعينة تُنافِس على قيادة المرحلة, مع تراجُع او ضمور ادوار كانت محجوزة على الدوام لعواصم عربية ذات ثقل ومواقع جيوسياسية وتاريخية, تؤهلها للبقاء في الصفوف الاولى ,لكن المؤامرات الدولية وبعض العربية التي لم تتوقف ,اسهمت في تراجُع تلك الادوار, ربما مؤقتاً او لفترة قد تطول.

بيان الاعتذار المغربي, أشار في وضوح الى انعدام الفائدة من عقد قمة كهذه, في ظروف انسداد الآفاق في العلاقات العربية العربية وفي ظل تحديات يواجهها العرب اليوم, فإن القمة لا يمكن ان تُشكل «غاية» في حد ذاتها، أو ان تتحول الى مجرد اجتماع «مناسباتي».

العبارة دقيقة ولاذعة وصادمة في كشفها على «سِرّ» الداء العضال الذي يفتك بالعرب, والذي لا يمكن في كل الاحوال تحميل تبعاته الى الغرب الامبريالي واسرائيل، رغم ادوارهما القذرة ومؤامراتهما التي لا تتوقف لتفكيك ما تبقى من عُرى عربية, وصب المزيد من النارعلى الحرائق المشتعلة في بلاد العرب وعلى تخومهم.. فبعض الانظمة القائمة تتحمل مسؤولية جسيمة في ما آلت اليه الاوضاع العربية التي تكاد تدخل مرحلة اللاعودة، لكن الأمر – رغم كل ذلك – يستدعي وقفة اكثر جدية ومسؤولية أعلى لإصلاح هذا الاهتراء الذي أصاب «الآلة» العربية المعطوبة ,وهي هنا ليست الجامعة العربية غير الموجودة الا على الورق وليس مؤسسة القمة التي باتت هي الأخرى آيلة للسقوط والانهيار, بعد ان أفْقَدَت نفسها مُبرر وجودها , عبر اصرارها على تحويل القمم الى خطابات لا تُنفَّذ وبلاغات لغوية لا تنتمي الى العصر , وبحث لا يتوقف عن الخلافات وتصفية الحسابات والابتعاد عن الجوامع والمُشتركات, لصالح القُطرِية الانعزالية والتهرب من المسؤوليات الوطنية والقومية. بل إن العَطَبَ العربي... شامل ومقيم.

والاّ كيف يمكن تفسير كل تلك «الغيابات» المقصودة لزِعماء وحكام العرب عن القمم, حتى بات انعقادها اشبه باجتماع لموظفين ودبلوماسيين من الدرجة الثالثة, لا تثير الحماسة او التفاؤل, بقدر ما تستقطب الشماتة واللامبالاة الشعبية.

ولئن اضاء المغاربة على «المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم العربي»، بل وصفوا ذلك «بأنها ساعة الصدق والحقيقة والتي لا بد لقادة الدول العربية عدم الاكتفاء بمجرد القيام (مرة اخرى) بالتشخيص المرير لواقع الانقسامات والخلافات التي يعيشها العالم العربي, دون تقديم الاجابات الجماعية، الحاسمة والحازمة لمواجهة هذا الوضع، سواء في العراق او اليمن او سوريا».. فإن من المنطقي هنا وأمام هذه الصراحة (التي ليست جارحة) البحث عن آلية او مقاربة, تضع حداً للوضع الراهن وتؤسس لمرحلة جديدة، تتولى عدة عواصم عربية، غير منحازة (نسبياً) الى مِحوري الاستقطاب الراهن، الذي أخذ بُعداً مذهبياً وارتباطات وتحالفات اقليمية ودولية، بات «الانقطاع» عنها, مُكلفاً او اقله في محور منهما, رغبة عارمة بالابتعاد عن كل رابط عربي على النحو الذي نجده في التراشقات الاعلامية وهجائيات الشتم والتحقير المنفلتة.

اللافت ايضاً هو ان ما جرى على صعيد القمة العتيدة, التي حتى لو لم يعتذر المغرب، ما كانت لتلفت الانتباه او تثير حماسة الجمهور العربي الذي لم يعد يثق بمؤسسة القمة ولا بجامعة الدول العربية، هو ان الاخيرة (الجامعة تعيش حالاً من الغيبوبة الدائمة ولا تفيق او يصدر لها أمر الإفاقة..

ليس السؤال ما اذا كانت القاهرة او نواكشوط ستستضيف القمة بعد اعتذار المغرب.. بل ماذا لو إنعقدت؟.. هل تكون ناجحة ام هي و»عدمها».. سواء؟

السؤال سيبقى مُعلّقاً، كما هي حال أمتنا... في راهنها البائس.

(الرأي 2016-02-23)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات