حرب نووية «وقائية».. ماذا لو وَقَعَتْ؟
![حرب نووية «وقائية».. ماذا لو وَقَعَتْ؟ حرب نووية «وقائية».. ماذا لو وَقَعَتْ؟](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/a135ef38347685d5aac06e0cd5d215ff.jpg)
رغم ما تعج به منطقتنا من احداث وحرائق وتحركات سياسية ودبلوماسية بلا نتائج تُذكر, وحروب غير مرشحة للانتهاء, بعد ان اختلطت الامور على العرب وراحوا يضربون، في كل اتجاه، دون ان يُصيبوا نجاحا او يُسجِّلوا انجازا يُذكر, حتى على صعيد اقناع «رعاياهم» بانهم انما يفعلون ذلك لمصلحتهم، ورغم ارتكابات الارهاب الذي يضرب في كل مكان وحيثما شاء او اراد قادته ان يوجهوا رسائلهم الملطخة بدماء الابرياء, على ما فعلوا في بن قِردان يوم امس وقبل ايام, كذلك في ساحل العاج وانقرة ودائما في سوريا التي ما تزال مسرحاً مفتوحاً لدمويتهم واجرامهم و»ساحة» لكل المشروعات الاستعمارية قديمها والحديث، دون ان يَتّعِظ «احفاد» المُستعمِرين وبخاصة ممن يرطنون بالحداثة والديمقراطية وحرية الشعوب وغيرها مما التبس على كثيرين، تحت دعاوى ومزاعم تتلطى بالاسلام ديناً عظيماً, بُعِث رسوله الكريم ليُتمّم مكارم الأخلاق.
رغم كل ذلك، فان ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية، لا يمكن عزله عن تلك الازمات التي تعصف بالعالم، وعن الارتباك وانعدام اليقين لدى عواصم كبرى، لم تنجح حتى الان في ايجاد حلول ذات صدقية وفي الاساس عادلة وقانونية, تستند الى القانون الدولي وتأخذ في الاعتبار الشرعية الدولية وكل الاتفاقات والمعاهدات والبروتوكولات التي تم توقيعها قبل وخصوصا بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية وما تلاها من حرب باردة، ثم «الانقلاب»الجيوسياسي الذي ما تزال فصوله تتوالى, بعد ان فشلت الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم «مُنفرِدة»، عبر اصرارها على ان يكون القرن الجديد «قرناً أميركياً» دون ان تُقرِنه بتفكير ومقاربات جديدة, تلحظ حق الشعوب في تقرير مصائرها وحفظ سياداتها وتراثها الثقافي وثرواتها ,بعيدا عن الهيمنة وفرض النموذج والقِيم الاميركية على العالم، ودائما في عسكرة العلاقات الدولية واستخدام العقوبات غير الشرعية لاخضاع الشعوب وتركيع أوإسقاط الانظمة وبناء الديمقراطية المزعومة على انقاضها، وما تزال الشواهد الكارثية قائمة في العراق وافغانستان، ودائماً ومنذ ستة عقود في فلسطين, حيث تقف اميركا بلا حدود او ضوابط او حتى حِس اخلاقي, الى جانب دولة عُنصرِية ومُستعمِرة، كان من العدل ان يُساق قادتها الى محكمة الجنايات الدولية منذ وقت طويل، لكنها اميركا التي خيّبت ظنون شعوب العالم كافة.
ما علينا..
الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون، الذي كان وجّه قادة جيشه لاطلاق «المزيد» من التجارب الصاروخية والنووية، ردّاً على قرار مجلس الأمن الأخير بتشديد العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ, والتي تزيد الخناق على الاقتصاد الكوري الشمالي المُنهَك والمُستنزَف، يبدو انه ضاق ذرعا بردود الفعل الاميركية واليابانية والكورية الجنوبية، فضلا عن الانتقادات اللاذعة والقاسية التي وجهتها موسكو وخصوصاً بيجين, لآخر تجاربه الباليستية، ما دفعه الى رفع منسوب تهديداته وانتهاج سياسة الحافة (رغم انها ليست اول مرة يلجأ إليها) ما تبدى في البيان الذي اصدرته القيادة العسكرية الشمالية التي لم تُبدِ فقط قلقا كبيرا من المناورات الضخمة وغير المسبوقة التي تجريها سيؤول وواشنطن منذ اسبوع, بل وايضا في القول: أن بيونغ يانغ «تُفكِّر» الرد على هذه المناورات «بحرب خاطفة عملية، لتحرير كل كوريا الجنوبية بما فيها سيؤول».ولم تتوقف عند هذا بل قالت عبر وسائل إعلامها: إن بيونغ يانغ تحتفظ لنفسها بـ»حق شن هجوم نووي وقائي» مُعتبِرة ذلك مثابة تحذير «أخير» لواشنطن.
قد يذهب كثيرون الى اعتبار ان ذلك التصعيد، لا يعدو كونه تعبير عن الضيق واشتداد طوق العزلة واستدراج لمفاوضات جديدة او عروض بالمساعدة الاقتصادية, او ربما اشارة الى الحليفين «المُنزَعِجين» والغاضِبَين بشدة... الصين وروسيا، كي توظفان هذا الغضب الكوري الشمالي، للضغط على الولايات المتحدة وحليفيها الاقرب كوريا الجنوبية واليابان، كي يُخفِفا من الضغط على بيونغ يانغ, وان يسعوا الى حلول وسط معها، والاستجابة لمطالبها أو «عروضها» وكان العرض الاخير قدمه الزعيم الكوري الشمالي ومضمونه ينهض على توقيع اتفاقية سلام بين البلدين، لكن واشنطن – كعادتها – سارعت الى رفضه, مُشترِطة تخلّي بيونغ يانغ عن ترسانتها النووية في شكل نهائي.
في السطر الأخير – صحيح ان موسكو وبيجين غاضبتان من حليفهما المزعج وغير المستقر على سياسة ثابتة, سواء في المفاوضات او غيرها، الا انهما تُراقبان بحذر وقلق شديدين هذا الاستغلال الاميركي الجشع للازمة بين الكوريتين, كي تنشر المزيد من الاسلحة الحديثة ونيتها المُعلنة لنشر منظومة صواريخ «ثاد» THAAD، فائقة القدرة والمناورة, بادعاء مواجهة المخاطر الكورية الشمالية, على النحو الذي وظّفته في نشر الدرع الصاروخية في تركيا وبولندا ورومانيا, بذريعة مواجهة الصواريخ الايرانية ولم تقم بازالتها (او تَعِد بذلك).. حتى بعد الاتفاق النووي مع طهران.
الاحتمالات مفتوحة في شبه الجزيرة الكورية, وامكانية الانزلاق الى مواجهة محدودة او شاملة.. واردة, رغم كل الحرص والحذر واحتمال دخول اطراف وازنة على خط الوساطات والتهدئة.
(الرأي 2016-03-15)