في تفكيك اللغز!

تم نشره الأربعاء 16 آذار / مارس 2016 01:02 صباحاً
في تفكيك اللغز!
محمد أبو رمان

فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أول من أمس، الجميع بقرار سحب أغلبية القوات الروسية من سورية، مع الإبقاء على القاعدتين العسكريتين هناك. وبدا القرار مثلما أن يكون فريق متقدّماً بنتيجة 7-0، ثم يقرّر المدرّب فجأة الانسحاب من المباراة!

بالطبع، ما تزال التكهّنات والتسريبات طازجة، وهنالك تساؤلات في العمق لمحاولة التعرّف على الأسباب التي تقف وراء هذا التطوّر المفاجئ، في خضم استئناف محادثات جنيف، والتشدد الملحوظ الذي بدا عليه موقف وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، عشية انعقاد المحادثات، عندما أعلن رفض طرح موضوع الانتخابات الرئاسية، معتبراً أنّه لا يحق لأحد الحديث عنها، مكتفياً بالموافقة على إجراء انتخابات نيابية. فيما قلّل رئيس الوفد السوري بشار الجعفري، من حجم أي "تنازلات" أو تفاهمات ممكنة مع المعارضة السورية، رافضاً في الأصل طرح مصطلح "المرحلة الانتقالية".

يأتي موقف بوتين، إذن، وكأنّه فرمل تماماً الموقف السوري في جنيف، وأحرج ممثلي النظام هناك، وقوّى من الحالة المعنوية للوفد المعارض، بخلاف الدور الروسي العسكري الذي جاء ليقلب الموازين العسكرية، ويرجّح كفّة النظام الذي كان على وشك الانهيار عشية التدخل العسكري الروسي، بالرغم من دعم حلفائه الإيرانيين وحزب الله.

هل حقّق الروس أهدافهم بصورة كاملة، بما يبرر ما حدث، كما جاء في الديباجة الإعلامية للبيان الروسي؟

بالتأكيد لا؛ فهناك جزء كبير من المهمة العسكرية في سورية لم ينجز بعد. بل إنّ الروس تخلّوا عن الدور العسكري نسبياً، بدرجة كبيرة، في ذروة التحضيرات لاستعادة تدمر، وغداة تصريح مثير للجدل لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حول تقاسم أدوار بين الروس والأميركيين في سورية لمواجهة "داعش".

إذن، ثمّة حدث طارئ مفاجئ قلب الموقف الروسي، أو بعبارة أدق دفع ببوتين إلى توجيه رسائل قاسية إلى الرئيس السوري بشار الأسد. فما هو هذا التطوّر أو السرّ؟

إلى الآن، التسريبات الوحيدة المتاحة، وهي التي تقترب بنا كثيراً من تفكيك "اللغز الروسي"، جاءت عبر مقالين في صحيفة "السفير" البيروتية القريبة من النظام السوري، لكاتبين على درجة مهمة من الإطلاع. الأول، هو الإعلامي المعروف سامي كليب. والثاني، محمد بلوط، الذي يحصل على مصادر معلومات أمنية سورية جيّدة في العادة.

التحليلان يتوافقان على أنّ هناك خلافاً روسياً-سورياً حول ملفات حيوية وأساسية. وربما أضيف إلى ذلك تبايناً روسياً-إيرانياً أيضاً، في مقدمة ذلك عدم ارتياح النظام السوري لتوقيت وقف إطلاق النار، الذي جاء في مرحلة المبادرة والتقدم لدى الجيش السوري والإيرانيين وحلفائهم، ما أوقف الخطط الطموحة بتحقيق انتصارات عسكرية على الأرض، في كل من حلب والجنوب وريف حمص.

الأمر الثاني، وهو على درجة أكبر من الأهمية، شعور الروس بموقف سوري معاند ومتشدد للغاية في محادثات السلام في جنيف، والشعور بنشوة الانتصارات الأخيرة، ما جعلهم حتى يرفضوا ما يُعتقد أنّها أفكار روسية.

في ظنّي، وهنا يأتي دور العامل الإيراني، أنّ الرئيس بوتين شعر بأنّ تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم، والتشدد السوري في المفاوضات، وقبل هذا الرفض الصريح المعلن لفكرة الفيدرالية التي طرحها الروس بصورة غير مباشرة؛ كل ذلك يعكس الموقف الإيراني المهيمن على القرار السوري، أي أنّ الخلاف العميق ليس سورياً-روسياً، بل إيرانياً-روسياً.

لا تخفي مصادر دبلوماسية عربية أنّ هناك تذمّراً إيرانياً من تجاهل طهران في التفاهمات الروسية-الأميركية الأخيرة من جهة، ووجود تسريبات ومعلومات -لدى المصادر نفسها- بأنّ هناك خلافات عميقة روسية-إيرانية على المرحلة المقبلة، وتقاسم النفوذ وكلفة التدخل العسكري الروسي.

على كلّ، النتيجة الوحيدة لهذا التطوّر هي أنّه أعاد خلط أوراق اللعبة السورية، وفتح الاحتمالات على مصراعيها.

(الغد 2016-03-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات