حذارِ من «التَسرّع».. المسألة أعمق من كونها «صفقة» (1-2)
![حذارِ من «التَسرّع».. المسألة أعمق من كونها «صفقة» (1-2) حذارِ من «التَسرّع».. المسألة أعمق من كونها «صفقة» (1-2)](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/e531c0e0d0d852b218baaf4ee5f12bd6.jpg)
لن تتوقف التكهنات والتحليلات حول الاسباب «الحقيقية» التي دفعت الرئيس بوتين لاتخاذ قراره «المفاجئ» لبعض العواصم والجهات و«الصادم» لأخرى و«الصاعق» لغيرها و« غير المعروف الاسباب والابعاد» لمن يريد لنفسه ان يكون في الصورة، صورة المشهدين الاقليمي والدولي، التي باتت هي الاخرى ضبابية وملتبسة اكثر من اي وقت مضى, وبخاصة في ظل الحديث عن «صفقة» تبلورت بين واشنطن وموسكو، ستجد طريقها الى التنفيذ شاء من شاء وأبى من أبى، سواء في المنطقة, على تخومها ام في غير مكان من المعمورة وخصوصا في اوروبا.
كل ما سبق لا يعدو كونه اقرب الى ضرب «الوَدَعْ» منه الى تحليل سياسي, يلحظ طبيعة ومستوى العلاقات الساخنة او الساكنة او المحتقنة التي باتت عليها علاقات موسكو وواشنطن، مع الاخذ في الاعتبار ان الاخيرة تعيش سنة انتخابية مشحونة مفتوحة على احتمالات عديدة ليس اخطرها وربما اكثر احتمالا, ان يشق دونالد ترامب طريقه الى البيت الابيض (وهذا امر تتحسب له موسكو لانها مضطرة ان تتعامل مع اي ساكن في ذلك البيت الاميركي الشهير) فضلا عن الهاجس الذي يعيشه باراك اوباما نفسه, الذي بات يُكرِّس ما تبقى له من اشهر معدودات في سدة الرئاسة, كي يترك اثرا او إرثاً يُحسب له ولا يسحب منه، على النحو الذي رأينا بعض تجلياته في ما نقله عنه الصحفي الاميركي اليهودي الشهير جيفري غولدبرغ، من اقوال وتصريحات ومواقف وقراءات واتهامات غير معهودة لم يسبق لأي رئيس اميركي ان ادلى بها وهو في منصبه، والتي سيتكشف الكثير منها في عدد مجلة «اتلانتك» لشهر نيسان المقبل, حيث تم حجز «87» صفحة للاضاءة على «عقيدة أوباما».
ما علينا..
قيل الكثير عن الرئيس الروسي بوتين وفيه, ان احداً لا يعرف ما في «رأسه»... سواه، ولهذا ادرجوا قرار انخراطه في الازمة السورية المفاجئ والصاعق والصادم (كما وُصِف وقتذاك) يوم 30 أيلول الماضي, في هذه الخانة وان الزعيم الروسي يُخطط لقراراته بنفسه, يستشير ويناقش ربما بصراحة او في غموض او في سرّية واشارات متضاربة، لكنه يعرف ما يريد ويقرأ جيداً الخرائط الداخلية والاقتصادية والجيوسياسية والعلاقات الدولية وموازين القوى ومعادلات التحالفات والعداوات قبل ان يتخذ قراره.. وكان ان قلب التدخل الروسي العسكري الفاعل والفعّال والجديّ والحازم والقوي... موازين القوى على الاراضي السورية, وارسل رسائل ذات دويّ هائل وفي كل الاتجاهات، بأن روسيا ارادت ذلك وهي جاهزة لأن تدفع ثمن مواقفها وتُجبر الآخرين على دفع ما يترتب عليهم ولم تكن تداعيات «الكمين» التركي لطائرة السوخوي الروسية في 24 تشرين الثاني الماضي, سوى ترجمة لهذا الحزم الروسي، الذي أجبر اردوغان على الانكماش والتراجع وكبح جماح أطماعه في الأراضي السورية, رغم انه (اردوغان) قال ان «إعزاز» خط أحمر بالنسبة لأنقرة، لكن الجميع كان يعلم ان لا خطوط حمراء امام الحزم الروسي, الذي اعتبر اسقاط الطائرة الروسية طعنة في الظهر.
قرار الانسحاب الروسي.. اذاً، وعشية انعقاد او بدء الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف 3، لا يمكن اعتباره مجرد «مفاجأة» ونقطة على السطر، بل ثمة ما ينطوي عليه ويُخفيه من اسباب ومبررات وربما خلافات او تضارب في وجهات النظر او المصالح بعيدة المدى بين دمشق وموسكو، وهو أمر يحدث بين الحلفاء والاصدقاء في الظروف العادية، ما بالك ان الطرفين يخوضان معركة مُشتركة في ظروف اقليمية ودولية معقدة، يمكن لأي خطوة او قرار غير محسوب ان يأخذ الجميع الى الهاوية، علماً ان كل المنخرطين في الأزمة السورية اقليمياً ودولياً, يقفون الآن ومنذ خمس سنوات على حافة تلك الهاوية، التي اسقطوا فيها الشعب السوري ودمروا جزءاً كبيراً من وطنه ويوشكون–لو استطاعوا–ان يدمروا دولته وكيانه الوطني الجامع.
قيل الكثير في أسباب الانخراط الروسي في الأزمة، وشكك كثيرون في أقوال المسؤولين الروس, بأن مدة المهمة التي تضطلع بها القوات الروسية الجوية خصوصاً, لن تزيد على ثلاثة أشهر، وذهب ثوار الفنادق من المعارضات, ائتلاف وهيئة مؤتمر الرياض, بعيداً في وصف القوات الروسية، بأنها قوات احتلال وانها مرتزقة وتوعدوها بالمصير ذاته الذي واجهته القوات السوفياتية في افغانستان وغيرها من العنتريات التي كانت تعبيراً «فاضحاً» عن هزائم موصوفة في الميدان للارهابيين والمرتزقة الذين يزعمون انهم يمثلونهم في المفاوضات.
كما قيل اكثر بأن القرار في سوريا لم يعد في يد الأسد بل في يد بوتين, وتحدثوا عن خلافات حادة بين موسكو وطهران, حيث بدأت الأخيرة تخسر نفوذها لصالح الروس الذين يريدون تكريس «احتلالهم» لسوريا واجبروا الرئيس السوري على عدم الزام روسيا بأي موعد محدد لاخراج قواتها من سوريا, وان السيادة في قواعدها البرية او البحرية او الجوية ستكون لموسكو وقوانينها وغيرها من الحرتقات، حتى صَوّروا الأمر, وكأن روسيا جاءت فقط لفك «عزلتها» الدولية, والبقاء في «آخر» قاعدة لها خارج روسيا.
الآن خرجت روسيا او بدأت بالخروج، رغم تشكيك الغرب واركان هيئة رياض حجاب بالأمر، وهم يُوهمون أنفسهم بأن المسألة لا تزيد وربما–عن كونها مناورة لتعويم الاسد او دفعه للتشدد, باعتبار ان موسكو بدأت الانسحاب ويُدلِّلون على ذلك بما صرّحه الكرملين يوم أمس: بأن الانسحاب لم يكن بِهدف ممارسة الضغط على الرئيس الأسد.
... للحديث صلة.
(الرأي 2016-03-16)