نظام الفضائح المتناوبة

تم نشره الأربعاء 23rd آذار / مارس 2016 12:54 صباحاً
نظام الفضائح المتناوبة
عديد نصار

سلسلة الفضائح المتناوبة التي تستخدم لتغطي كل منها على أخرى تعبّر عن مدى تغول الفساد في كل المجالات حتى تلك التي تهدد صحة المواطنين بشكل مباشر.

بينما لا تزال فضيحة النفايات المتراكمة التي أغرق بها نظام ائتلاف المافيات المتسلطة اللبنانيين تزكم الأنوف، يتم نبش المزيد من الفضائح التي لا تقل خطورة على البلاد والمواطنين وصحتهم كل يوم.

ولأن الحلول المطروحة من قبل حكومة هذا الائتلاف لا تقل فضائحية عن الأزمات ذاتها، فإن قوى النظام تلجأ إلى التورية على تلك الحلول بنبش ملفات أخرى للتعمية على ما تجر تلك الحلول على البلاد من كوارث.

أما اجتراح تلك الحلول فأستاذها النبيه رئيس مجلس نواب النظام نبيه بري، وأما داهية التورية والتعمية على تنفيذها فهو رئيس تكتل اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط.

أما حل أزمة النفايات الذي مر بعدد من المحاولات الفضائحية التي، لو كانت هناك حدود دنيا من المحاسبة، لزجت أصحابها ومن وقف وراءهم في السجون، والذي انتهى إلى إعادة فتح المطامر وإنشاء مطامر جديدة في مناطق مختلفة، هذا الحل الذي أقرته الحكومة مؤخرا باعتباره حلا مؤقتا يستمر العمل به لأربع سنوات. تصوروا: مؤقت لأربع سنوات! والذي رفضه اللبنانيون ولا يزالون يقاومونه، والذي عهد إلى نفس المجلس، مجلس الإنماء والإعمار المشكو منه طيلة السنوات الماضية، وإلى نفس الشركة، سوكلين، التي تتم مقاضاتها في تهم الفساد المالي، فتحاول السلطات فرضه بأي شكل مستخدمة الأجهزة الأمنية في تنفيذه.

وللتعمية على هذه الجريمة بحق اللبنانيين وسلامتهم وبيئتهم، تظهر فجأة فضيحة شبكات توزيع الإنترنت غير الشرعية التي توزع اشتراكاتها ليس فقط على المواطنين، بل على مؤسسات الدولة نفسها.

مَن مِنَ المواطنين والمقيمين في لبنان الذين هم على اتصال بالشبكة الإلكترونية لا يعرف أن غالبية اشتراكاتهم في شبكة الإنترنت تتم عبر شبكات غير شرعية؟ ولكن وزير الاتصالات اكتشف ذلك قبل أيام معدودة، ولم تخيب وسائل الإعلام ظن قوى السلطة بها لتتلقف الخبر وتحرف أنظار اللبنانيين عن السير قدما بتنفيذ قرار السلطة في شأن حل أزمة النفايات. ولما كان المتضررون من هذا الحل قد أخذوا على عاتقهم الاستمرار في مقاومته، نهض النائب وليد جنبلاط بنفسه بمهمته على أكمل وجه من خلال تويتر، فغرد قائلا “بدأ الحديث عن تفاصيل الشبكة كما توقعنا ومن قبل الوزارة المعنية أيضاً كما توقعنا، وباعتراف كبير المشرفين والمهيمنين والمحميين في الوزارة المختصة الذي ذكر العديد من المواقع واستغرب المسكين كيف تم تركيبها وادعى تقريباً جهله بالأمر. يا حرام”.

وإذا كانت مباني وزارة الدفاع والبرلمان وسواهما من المؤسسات قد انقطعت عن الفضاء الإلكتروني بسبب تفكيك أجهزة الشبكات غير الشرعية التي كانت تعاقدت معها، فإن النائب وليد جنبلاط لم يخبرنا عبر أي شبكة يغرد، وما إذا كانت شرعية أم لا.

وإذا كانت هذه الفضيحة لا تكفي للتعمية على الطريقة التي لجأت إليها السلطة في طمر النفايات، فإن فضيحة أخرى قد تشغل المواطنين لأيام قادمة أخرى. فضيحة تطالهم في لقمة عيشهم وفي صحتهم بشكل مباشر: القمح المسرطن الذي كشف عنه وزير الصحة وائل أبوفاعور، الوزير عن كتلة اللقاء الديمقراطي التي يرأسها وليد جنبلاط.

فقد ظهر لدى وزير الصحة أن أربع عينات من القمح المستورد المخزن في مرفأ بيروت، من أصل سبع تم فحصها، تحتوي على نسب خطيرة من مادة الأفلاتوكسين المسرطنة تجاوزت العشرين مايكروغراما في الكيلو غرام الواحد، في حين أن أقصى تلك النسب يجب ألّا يتجاوز الخمسة مايكروغرامات. ولكن القضية ليست في اكتشاف النسب المرتفعة من المواد المسرطنة في القمح، إنما في كون نتائج الاختبار قد صدرت بعد أن كانت كميات كبيرة منه قد انتشرت في الأسواق! فما نفع الكشف عن النتائج بعد أن صار القمح طحينا والطحين خبزا على الموائد يتناوله اللبنانيون والمقيمون؟

تعبّر سلسلة الفضائح المتناوبة التي تستخدم لتغطي كل منها على أخرى عن مدى تغول الفساد في كل المجالات حتى تلك التي تهدد صحة المواطنين بشكل مباشر، وهذا ناشئ عن ثقة راسخة لدى القوى المافيوية المسيطرة أنها محصنة حيال أي مراقبة أو محاسبة طالما هي ممسكة بالجهاز القضائي من جهة، وفي ظل العجز التام لدى أجهزة الرقابة الأخرى من المجلس الدستوري، إلى ديوان المحاسبة، إلى التفتيش المركزي… التي شلت قدرتها على الفعل.

ويبقى أمام اللبنانيين الاختيار بين خوفهم من بعضهم كمجموعات طائفية والذي تغذيه قوى النهب والفساد من أجل تمزيق وحدتهم وبالتالي تأبيد سيطرتها، وبين خوفهم على سلامتهم وصحة ومستقبل أبنائهم وبالتالي تجاوز الخيار الأول والتوحد في وجه من يسمم طعامهم وماءهم ويدمر بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية.

(العرب اللندنية 2016-03-23)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات