أكاديمية أبو عنتر
لقد كان للإعلام دور سيئ في قبول شخصية «الأبضاي» الذي يعيش ويتكسب بعضلاته بالمراوحة في تقديمه بصورة القوي الشرير أو القوي الطيب الذي يدافع عن الحق، وانتقلت الصورة والممارسة من الشاشة الصغيرة الى عقول الشباب فصار مفتول العضلات، موشوم الأيدي، «سحيب الأمواس» سليط اللسان، مفتعل المشاكل، قدوة لبعض الشباب ممن أغوتهم الشوارع بدل المدارس، ورأوا في أصدقاء السوء معلمين أفضل من الأساتذة، وفي قارعة الطريق صفا أفضل من المدرسة، وفي شريعة الغاب منهجا أكثر واقعية من الكتب!!
ومع التزايد الكمي للمدارس في بلدنا الا أننا لا نشهد تزايدا نوعيا في مستوى الطلاب بذات القدر، وتمايز المدارس بين الطبقات يجعلها أيضا تتمايز في مستوى التعليم، فمعلم لا يجد ما يسد حاجة أولاده لن يبالي بأولاد الناس سواء تخرجوا مجرمين أم مصلحين!
وحتى عندما يرتكب الشاب جريمة ويقع الفأس في الرأس، فإن إيداعه في ما يسمى بمراكز الإصلاح والتأهيل، وهي على الأغلب اسم على غير مسمى، يساهم في تعليمه وتخريجه من درجة مجرم حدث الى درجة مجرم محترف أو عضو عصابة منظمة، بل إن فشل السياسات الحكومية في ضبط الأمن والاستثناءات والإعفاءات غير المستحقة في المناسبات والأعياد جعلت بعض المجرمين لا يفكرون في التوبة، فالسجن فترة نقاهة وراحة تنقضي سريعا لاستئناف الأعمال بعدها مع شبكة علاقات أكثر اتساعا وقوة.
بينما في أوروبا يتوب البعض في السجن، بل يعتنق بعضهم الإسلام، فكيف يكون الإصلاح إذن؟! وهل هناك برنامج وعظي إرشادي مهاراتي يقوم عليه مختصون يسعى الى تأهيل السجناء وتدريبهم وتشغيلهم حتى تقل الجريمة في المجتمع؟!
وهل يُعامل السجناء والمجرمون بطريقة تكفل إزالة الحقد والشر من نفوسهم أم أن طريقة معاملتهم في السجون تفاقم من كراهيتهم للمجتمع؟! وهل هناك متابعة للسجناء بعد الخروج من السجن لضمان استقامتهم بلقاء أسبوعي أو شهري مع ضابط الإفراج parole officer كما في الغرب؟
وماذا عن المجتمع ألا يساهم أيضا في التشجيع على الجريمة بالتمايز الطبقي وطغيان الحياة المادية وغياب الرقابة والمتابعة، بل السكوت على الإجرام ومجاراته؛ خوفا من بطشه ومثال ذلك ما قامت به أحد المؤسسات الاقتصادية من تعيين بلطجي براتب 5000 آلاف دينار للدفاع عنها ضد البلطجيين الآخرين، وعندما عُتبوا بالرضوخ لهذه الممارسات الهمجية والخاوة كان جوابهم أن الشرطة لم تفعل شيئا للدفاع عنهم عندما اشتكوا، وأن المقامرة بالمال مقابل الحفاظ على حياة موظفيهم، وأعمالهم أفضل من المغامرة مع شرطة لا تستطيع حمايتهم!
إن الشباب يرون هذه النماذج وهي تجتذبهم ضعفا أو خوفا أو ركضا وراء الملذات فبعض المجرمين المحدثين أولاد عائلات طيبة ينخرطون في سلك الإجرام مقابل الحصول على الحشيش والمخدرات!
كنا نقول ان الحياة خير مدرسة لتعليم أولادنا ما لم يتعلموه في المدارس، فأصبحت تعلمهم الشر والجهالة، ونحن في غفلة من أمرنا لا نقوم بمسؤوليتنا في التربية الأسرية أو المجتمعية في الوقت الذي تقصر فيه أيضا الجهات الأمنية بواجبها فالإمساك بمجرم هنا وهناك لذر الرماد في العيون كحالنا مع قضايا الفساد لا يكفي لتنظيف المجتمع، ولفرض سيادة القانون
ان العيش في مجتمع هو ككتابة عقد اجتماعي كما قال روسو فيلسوف الثورة الفرنسية يلتزم فيه المواطن بالقوانين و يستمتع بالحرية ومميزات العيش في المجتمع المدني إما إذا خرق القوانين فعلى المجتمع أن يجبره على أن يكون حرا forced to be free بتعليمه معنى الحرية وضريبة فقدانها ومحدداتها وكيفية الحفاظ عليها، وما لم نمارس التربية الوقائية الاستباقية التي تحصن شبابنا ضد الخطأ، فإن السجون لن تكون سوى أكاديميات لإنتاج مزيد من العنتريات والزعرنة فسجوننا على حالها الآن ليست الا حالة أخرى من فشل الإصلاح الاجتماعي!
(السبيل 2016-03-24)