الإرهاب.. موسم الهجرة إلى الغرب !
عملية ارهابية جبانة مدانة، عاشت بلجيكا خلالها، وبعدها، حالة من الهلع والذعر، بل أدخلت دول الاتحاد الاوروبي كافة في حالة صدمة، القت بظلالها وتداعياتها على الوضع السياسي والاقتصادي والامني في كافة الدول الاوروبية ، لأنها ليست حالة طارئة، بل جاءت بعد سلسلة من العمليات الارهابية التي سبقت وضربت اهدافا في فرنسا وبريطانيا وتركيا. هذه العملية الارهابية، او «غزوة بروكسل»، حسب داعش، اثبتت أن الارهاب اصبح حالة كونية عابرة للقارات ، رغم حالات التاهب القصوى والجهوزية الامنية في معظم الدول المستهدفة.
هذه العملية الارهابية الدموية، تقودنا الى التساؤل: كيف امتلك الارهابيون القدرة على الحركة باسلحتهم واحزمتهم الناسفة داخل المطار وفي الانفاق ؟ وماذا بعد بيانات الادانة والشجب ، ورسائل المواساة والتعاطف ، وكيف سيتم الرد على الارهاب ؟
لا ارغب في تناول التفاصيل التي اصبحت معروفة لدى الجميع، وانا غير متفائل لأنني اشك في النوايا وجديتها ، كما اعرف ابعاد الموقف الحقيقي لمعظم الدول الاوروبية التي تتجاهل حركة التاريخ، وربما اعتنقت النظرية القائلة بنهاية التاريخ. هي الدول التي تركت الابواب مشرعة أمام تطورات ومستجدات حملت اليها الريح الربيعية المسمومة، او اعادتها لها، أن لم نقل انها ساعدت في هبوب العاصفة التخريبية على بلادنا العربية بقدر ما او بشكل ما ، بفعلها أودعمها او صمتها على الاقل.
وعندما نتحدث عن الواقع لا نحتاج العودة الى الوراء كثيرا واستحضار التاريخ البعيد، لأن دخان المعارك ما زال يملأ سماء الشرق الاوسط العربي، وقد تكون الفوضى في ليبيا مناسبة للتذكير بأن الدول الأوروبية شاركت في الحرب الليبية الداخلية، وساعدت في تقويض وتفكيك الدولة وهزيمة الجيش الليبي، وترك البلاد والعباد في حالة عنف وفوضى، وبالتالي خلق ازمة صعبة معقدة لا حل لها في الافق المنظور.
الحقيقة أن الدول الاوروبية، حتى التي كانت ضحية لعمليات ارهابية دموية ، لم تقم بدور فعاّل في الحرب على الارهاب، بل غضت الطرف عن تحركات «الجهاديين» في اوروبا، وربما سهلت لهم المغادرة الى سوريا والعراق عبر تركيا للمشاركة في القتال «من اجل الديمقراطية»، وربما قدمت لهم الدعم اللوجستي والسياسي والاعلامي. ولا شك انكم تذكرون مواقف وتصريحات بعض قادة الدول الاوروبية، الذين وعدوا شعوبهم بالمشاركة في الحرب على الارهاب بلا رحمة، وفي كل موقع، ولكنهم رفضوا التعاون، أو حتى التنسيق مع روسيا في حربها الجوية ضد مسلحي التنظيمات المتطرفة في سوريا، بحجة أن هذه المشاركة تصب في مصلحة النظام والجيش السوري.
أكثر من ذلك، كانت الدول الاوروبية تعلم وتعرف وترى تدفق المسلحين عبر الحدود التركية الى سوريا والعراق، ولكنها لم تمارس ضغطا حقيقيا على الحكومة التركية لاغلاق حدودها ومنع تسلل المسلحين، لأن الهدف هو اسقاط النظام، وتفكيك الدولة، وترك بلاد الشام نهبا للفوضى والعنف والارهاب، كما حدث في ليبيا. هذه الدول واجهت المشكلة بتصريحات العتب الاعلامي، وليس الغضب الجاد، بل عقدت المؤتمرات من اجل الصفقات مع حكومة انقرة لمواجهة طوفان اللاجئين، الى ان اصبحت هدفا للعمليات الارهابية وغزوات داعش..
دول الاتحاد الاوروبي تحصد اليوم نتائج صمتها، ان لم نقل التواطؤ الغربي، تجاه ما حدث ويحدث في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وهو المشهد الذي خلق حالة من جذب الارهابيين الى المنطقة، من كل الجهات، ومنها دول الاتحاد الاوروبي، وشجعهم على التناسل والتناسخ في ظروف دموية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة.
ما حدث في بعض العواصم الاوروبية، في الماضي القريب، وفي بروكسل اليوم، يشير الى أن حركة التاريخ بدات دورتها العكسية، أي انها دخلت في مرحلة الاياب الارهابي المتجه الى الغرب. لذلك يجب على دول الاتحاد الاوروبي، وفي مقدمتها فرنسا، صاحبة الموقف المتردد، أن تعيد حساباتها، لأن الارهاب لا هوية له ولا جنسية ولا دين.
(الرأي 2016-03-24)