كسر العيب
يخبرني موظف أردني في أحد الفنادق بعمان عن مجموعة كبيرة من طلبة الجامعات الأردنية يعملون في الفندق، في أعمال ووظائف مختلفة؛ في المقهى وجلي الصحون وغيرهما، ويوازنون بين عملهم ودراستهم.
ويقول إن هؤلاء الشباب كسروا ما يسميه المسؤولون ثقافة العيب، لكن لا أحد ينصفهم؛ فالرواتب التي يعملون لقاءها قليلة ومحدودة، تكاد لا تكفي مصروفهم، وفي أحيان كثيرة يعودون في وقت متأخر إلى منازلهم، ما يكلفهم أجرة مواصلات مرتفعة. وبالرغم من ذلك، فهم يعملون ويجدون.
المفارقة التي يتحدث عنها هذا الموظف هي أنّ الفنادق تفضل، في كثير من الأحيان، موظفات أجنبيات على الموظفات والعاملات الأردنيات، برغم أن الأخيرات، بقليل من التدريب، يمكن أن يتفوقن بسهولة. ويضرب مثالاً على ذلك بأن العاملة الأردنية قد تحصل على راتب أقل من 200 دينار، وتدفع كلفة المواصلات المتأخرة العالية، وفي كثير من الأحيان لا تحظى بتأمين صحي ولا ضمان اجتماعي. بينما العاملة الأجنبية، في المقابل، تتكفل الفنادق براتب عال نسبياً لها، يصل إلى 300 دينار أردني، بالإضافة إلى توفير السكن وتذاكر الطيران. وفي النهاية، كان يمكن للأردنيات أن يقمن بهذه الأعمال بتفوق ومهارة، لكن الفنادق، ومثلها شركات خدماتية أخرى، تفضل العاملة الأجنبية.
ما يقوله صاحبنا يمكن ملاحظته بوضوح في عمان، وكثير من المحافظات اليوم. ففي كثير من الفنادق والمطاعم والمقاهي، أصبحنا نشاهد شباباً أردنيين يقدمون الخدمات على أفضل حال وباحتراف، وكثير منهم طلاب جامعات أو أنهوا المرحلة الجامعية.
لكن هذه الشريحة الواسعة من الشباب لا تحظى بحقوق أساسية؛ فساعات العمل طويلة، ولا تراعي دوامهم الجامعي، والرواتب محدودة، من دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي، ولا التزام بالحد الأدنى للأجور. وبالرغم من ذلك، هم يعملون ويحاولون مشاركة عائلاتهم كلفة التعليم، أو الهروب من شبح البطالة.
لم تعد ثقافة العيب التي يرددها المسؤولون باستخفاف شديد مشجباً مناسباً نعلق عليه أسباب ارتفاع نسب البطالة أو الاختلال المفضوح في هيكلية سوق العمل؛ فالشباب الأردني حطّم هذه الأسطورة، وهو يبحث عن فرص العمل؛ لا وراء مكاتب ولا وظائف حكومية، فتلك دعاوى خشبية غير حقيقية، ولم تعد مقبولة. ومن ثم، فإن على المسؤولين الذين يتشدقون بهذه الشعارات ويرددون هذه السيمفونية الفاشلة، التفكير في حيلة أخرى لتبرير الفشل الذريع في حل معضلة البطالة.
هناك أسباب جوهرية أخرى؛ في مقدمتها رغبة كثير من الشركات وأصحاب العمل في تشغيل العمالة الوافدة، من أجل تجنب حقوق العمال الأردنيين. وهناك قانون عمل ووزارة عمل لا يلزمان الشركات وأصحاب العمل، بصورة جدية، بإعطاء الأولوية للعمالة الوطنية. كما لا يوجد نظام شامل واضح يطبق على طلبة الجامعات، يساعدهم في العمل وتأمين المصروف، ولا التزام بالحد الأدنى المطلوب للأجور، ولساعات العمل. ولا يريد أصحاب عمل الالتزام بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، فيتقنون النفاذ من بعض المواد القانونية للتهرب من هذه الحقوق الأساسية، من دون رقابة، من مثل فترة التجربة لمدة 3 أشهر لتجريب الموظفين والعمال، إذ يستغلونها لتغييرهم باستمرار، كي لا يلتزموا بعقود عمل قانونية.
الأمر نفسه ينطبق، للأسف، على نسبة كبيرة من المدارس الخاصة الصغيرة، التي توقع عقودا مع المعلمين تنهيها قبل فترة الصيف، من أجل عدم دفع رواتب المعلمين والمعلمات في فترة العطلة الصيفية، وهكذا في كل عام.
بالنتيجة؛ من الضروري أن نجذب الاستثمار ونخلق فرصه، وأن نوفر الظروف المناسبة لأصحاب الشركات ورؤوس الأموال. لكن في الوقت نفسه، وحتى يساهم ذلك في تحقيق الهدف الأول، بتوفير فرص عمل والحد من البطالة، فإنه لا بد أن يترافق مع قانون يحمي العمال والموظفين بوضوح.
(الغد 2016-03-25)