أوروبا: مواجهة التطرف أم الإرهاب

تم نشره السبت 26 آذار / مارس 2016 01:31 صباحاً
أوروبا: مواجهة التطرف أم الإرهاب
سلام السعدي

أربعة أشهر فقط فصلت بين العمل الإرهابي الأكثر دموية في تاريخ فرنسا الحديث (نوفمبر 2015) والعمل الإرهابي الأكثر دموية في تاريخ بلجيكا الحديث، والذي حدث الأسبوع الماضي. أسفرت هجمات بروكسل المروعة عن 34 قتيلا من المدنيين في يوم واحد، وهي حصيلة كبيرة تفوق مجموع القتلى المدنيين بفعل العمليات الإرهابية في بلجيكا منذ العام 1970 وعددهم 31 قتيلا.
وبعد هجمات من هذا النوع، وفي كل مرة، يجد الكثير من المواطنين الأوروبيين المعتنقين للإسلام أنفسهم تحت ضغوط كبيرة من قبل اليمين الأوروبي بشكل خاص، ولكن الضغوط توسعت لتصبح من كل حدب وصوب بسبب تزايد أعداد تلك الهجمات ونوعيتها، وما يظهر وكأنه تزايد كبير جدا في أعداد المتطرفين الإسلاميين إلى درجة باتت تعين اليمين الأوروبي في ترويجه لنظريته التي تقول بأن “كل المسلمين متطرفون”.

وفي مواجهة ذلك، تعيد شرائح من المسلمين الأوروبيين ترديد اللازمة الدفاعية الشهيرة “المتطرفون لا يمثلون سوى شريحة صغيرة جدا جدا من المسلمين”. وفي هذا القول صواب نسبي بالطبع، فليس سوى أحمق شديد التطرف من يدعي أن جميع المسلمين متطرفون.

الحقيقة أيضا أنه لا يمكن اعتبار كل المتطرفين الإسلاميين إرهابيين. بمعنى أن التطرف الديني لدى المسلمين، وهو أوسع قليلا مما يريد البعض أن يعتقد ويفوق تلك الشريحة “الصغيرة جدا جدا”، لا يقود بالضرورة إلى حيز الفعل، أي الإرهاب، إلا في حالات نادرة. مشكلة الغرب اليوم ليست مع انتشار التطرف الإسلامي، فلا أعتقد أن المتطرفين ازدادوا فجأة بصورة هائلة كما يصور البعض، ولكن مع تزايد أعداد المتطرفين الذين يؤمنون بضرورة الفعل، أو رد الفعل، من جهة، وبتوفر وسائل وشبكات لم تكن متاحة قديما وبوسعها تحويل المتطرف إلى إرهابي.

في الحديث عن التطرف، يمكن فتح العديد من الملفات مثل قضية الإصلاح الديني، وإصلاح المؤسسات الإسلامية التي لعب بعضها دورا في تغذية ورعاية التطرف. كما يفضل البعض إلقاء اللوم على السياسات الغربية تجاه بلدان العالم الثالث، بدءا بالسياسات الاقتصادية المجحفة والمهينة وصولا إلى الحروب المدمرة. وجميعها تستدعي ردود فعل كما يقول أصحاب هذا الرأي.

ولكن، إذا كانت كل تلك القضايا حاضرة دوما خلال العقود الماضية، لماذا توسعت ظاهرة الجهاديين اليوم على هذا النحو المرعب وغير المسبوق. وكيف يقوم شبان مسلمون بممارسة الإرهاب بشكل واسع وعلى نحو من اليسر لم نكن لنتخيّله سابقا. بكلمات أخرى، إذا كانت الأفكار المتطرفة موجودة بقوة طيلة العقود الماضية، سواء بفعل سياسات الغرب أو المؤسسات الدينية، فإن الانتقال من الأفكار الراديكالية إلى الممارسة الراديكالية، وتحديدا إلى العنف والإرهاب، لم يكن يوما على هذا الاتساع وبهذا القدر من السلاسة.

ما من شك أن وسائل الاتصال بين الجهاديين قد تطورت بشكل كبير، ما رفّع من قدرتهم على التجنيد في مناطق شاسعة من العالم، وحسّن من آليات التنسيق الخاصة بهم. ولكن التفسير السابق يبقى ضعيف الأهمية من دون وجود بيئة فعل جهادي مزدهرة في سوريا والعراق، ومن دون هذا المستوى من التدمير والقتل الدموي المرعب المنتشر هناك والذي كان له الفضل في الحط من شأن حوادث “القتل الفردي”، في مقابل التظهير والإعلاء من شأن حوادث “القتل الجماعي”.

في العام 2015 أسقطت الولايات المتحدة الأميركية وحدها أكثر من 23 ألف قنبلة على “الإرهابيين” في العالم، 22 ألفا منها على سوريا والعراق فقط، في حين توزعت البقية على أفغانستان وباكستان واليمن والصومال. وبالطبع، قتلت تلك القنابل من المدنيين المسالمين أكثر بكثير مما قتلت من الأشرار الجهاديين. هذا فضلا عن سياسات الإبادة التي يتبعها النظام السوري والنظام العراقي. وأخيرا وليس آخرا، هنالك الممارسات الإجرامية للجماعات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا والتي تقدم أفضل ترويج لاستسهال القتل الجماعي والذبح وقطع الرؤوس في خدمة قضية مزعومة. من الصعب جدا أن يجادل المرء بأنه لا توجد أي علاقة بين توسع الهجمات الإرهابية في أوروبا، وبين ما يحدث في منطقتنا بصورة خاصة.

إن إيقاف الهجمات الإرهابية الجهادية ضد أوروبا بصورة تامة يحتاج إلى التخلص من التطرف الديني، وهذه قضية شائكة جدا تحتاج بدورها إلى معالجة سلسلة لقضايا تغذي التطرف على صعيد العالم وعلى صعيد الدول التي توصف بأنها مصدرة للتطرف، وعلى صعيد الدول الغربية. كما تحتاج إلى تسليط الضوء وبصورة نقدية وجريئة على الدور السلبي الذي لعبته بعض المؤسسات الدينية، والدور الجديد الممكن أن تضطلع به والذي لا يمكن أن يتم تحديده من دون إصلاح شامل تخضع له.

أما إيقاف الموجة الأخيرة فقط من الهجمات الإرهابية الواسعة وغير المسبوقة، فلا أمل في حدوثه من دون إيقاف جرائم القتل الجماعي بكافة أشكاله ومن قبل جميع الأطراف في منطقتنا، وبشكل خاص في سوريا والعراق وليبيا.

(المصدر: العرب 2016-03-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات