شلالات المشلشلة

تم نشره السبت 26 آذار / مارس 2016 01:37 صباحاً
شلالات المشلشلة
حسن احمد الشوبكي

بعد مسير في مساحات صخرية شديدة الوعورة، ومنحدرات حادة، لعدة كيلومترات إلى الشمال الغربي من قرية عيمة في محافظة الطفيلة، لا يصدق المرء ما ينتظره في تلك البقاع المنسية.
مع ملاحقة مجرى السيل الذي يصب في الأغوار الجنوبية، تنمو بين صخور الجبال أشجار النخيل والتين البري. وفي أسفل الوادي تعلو أشجار الأراك/ المسواك والبطم والعرعر. وتحف جنبات هذه الأشجار الباسقة أزهار ذات ألوان جذابة، ضمن غطاء نباتي مفتوح وجميل لا مثيل له في البلاد، حتى يصل المرء إلى شلالات المشلشلة؛ أو الجن كما يسميها بعض الصيادين من أبناء الطفيلة، حيث تنساب من فوق الجبال والنباتات في مشهد ساحر يروي قصة الثراء الطبيعي في هذه المنطقة الاستثنائية.
المياه، واللون الأخضر بكل درجاته، والصخور التي تحف شلالات المشلشلة، تعكس صورة طبيعية يبدو أن الجهات المعنية ليست في وارد الحفاظ عليها. فمحطة الصرف الصحي الرئيسة في الطفيلة تصب كل المياه العادمة على امتداد مسار السيل لعدة كيلومترات، ما ينشر التلوث في تلك المناطق الزاخرة بالحياة. وثمة مناشدات من أبناء الطفيلة لحماية البيئة والتنوع الحيوي فيها، ووقف ضخ المياه العادمة من محطة الصرف إلى الوديان التي تضم مناطق الشلالات.
المناشدات تتعالى أيضا لوقف الصيد الجائر؛ إذ شكلت الجبال والأودية والخضرة والمياه وطناً لكثير من الحيوانات، حيث يجول الوشق والنمر والضبع والذئب وغيرها من الحيوانات المفترسة، كما يجد الحمام والجمام والشنار وأشكال العصافير كافة فرصة للتكاثر هذه المناطق. غير أن صيادين من أبناء المنطقة هددوا هذا التنوع في غفلة من السلطات والجمعيات والمؤسسات المعنية بحماية الحيوانات والتنوع الحيوي.
في الطفيلة لا يوجد شلال أو اثنان، بل أكثر من عشرة شلالات، يزخر محيطها بألوان الحياة. والقاسم المشترك بين كل هذه المناطق، أن يد التنمية لم تصلها ولم تشق لها الطرق، وتركت لعبث العابثين. بل أكثر من ذلك أن الحكومة كانت سببا في إيذاء البيئة بسماحها برمي مياه الصرف الصحي في الوديان.
وفي تفاصيل المضمون التنموي والاقتصادي، ثمة قصة أخرى تشير إلى تجاهل الإنسان والمكان من طرف القطاعين العام والخاص. فبلدة عيمة شهدت في تاريخ البلاد المعاصر هجرة الآلاف من أبنائها إلى العاصمة بحثا عن شروط عيش أفضل، رغم أن هذا الثراء الذي نتحدث عنه في المشلشلة يبعد بضعة كيلومترات فقط عن أبناء عيمة.
يعترف مسؤولون بأن الطفيلة تعاني أوضاعا قاسية على المستوى الاقتصادي؛ فعدد سكان المحافظة يتجاوز 90 ألفا، لكن ثلثهم يرزح تحت خط الفقر. ووفقا لتصريحات حكومية، تتصدر الطفيلة محافظات البلاد من حيث ارتفاع مؤشري البطالة والفقر فيها. في موازاة ذلك، فإن جولة واحدة في المشلشلة وجوارها من جبال النحاس والمعادن الثمينة والزيت الصخري والثروة النباتية والمواقع الأثرية والسياحية، كفيلة بأن تؤكد للمرء أن الكنوز موجودة، لكن التنمية غائبة.
لا يطالب أبناء الطفيلة الذين رافقتهم في مغامرة الوصول إلى المشلشلة والمبيت فيها، إلا بحماية مناطقهم واستغلال ضخامة الصخور وروعتها وانسياب المياه على جنباتها، أسوة بمناطق أخرى في المملكة. فشق الطرق، أو استخدام الوسائل الجوية للوصول إلى هذا الثراء الطبيعي، كما حماية البيئة لاسيما بوقف ضخ المياه العادمة إلى السيول المجاورة، لا تحتاج إلى الكثير من الأموال، بل إلى البدء بالانتباه لهذه الجغرافيا المنسية!

(المصدر: الغد 2016-03-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات