إشادات إسرائيلية بتعاون السلطة الأمني وخوف من القادم
قبل أيام نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر عسكرية قولها، إن الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تلعب دورا مهما في منع اتساع موجة العمليات التي تتواصل في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر. وبحسب تلك المصادر، فقد وصل التعاون الأمني إلى درجة أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تعمل من أجل تقليص فرص تواصل العمليات بناءً على معلومات تتلقاها من جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك”، في حين أن هذه الأجهزة تزود “الشاباك” بمعلومات تساعده في إحباط عمليات مخطط لها. والأهم في الإشادة الإسرائيلية هي القول إن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تتعامل بيد من حديد مع أي محاولة لتنظيم مظاهرات شعبية بالقرب من المستوطنات، وعلى الشوارع التي يستخدمها المستوطنون والجيش، ما يقلص من فرص الاحتكاك بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال ومستوطنيه. ليست هذه المرة الأولى ولا العاشرة التي تشيد بها دولة الاحتلال وأجهزتها بتعاون السلطة الأمني، فالإشادات متكررة، بل إن خلافا لا بأس به لا زال ينشب بين المستوى الأمني والمستوى السياسي حول ما ينبغي أن يُمنح للسلطة مقابل هذا التعاون، وغالبا على شكل حوافز اقتصادية، وأخرى تتعلق بالقيادات ومكاسبهم. والحال أن جهود السلطة في منع الانتفاضة لا تتوقف عند التنسيق الأمني مع العدو، ولا منع الأعمال الشعبية التي تشتبك مع حواجز الاحتلال، بل تتجاوزها إلى العمل الحثيث لضرب كل ما من شأنه أن يفضي إلى تصاعد الانتفاضة، سواءً في بعدها الشعبي من حيث المسيرات والإضرابات والمواجهات، أم من حيث العمليات المسلحة، بما فيها السكاكين، وصارت مراقبة مواقع التواصل لكشف النوايا جزءا لا يتجزأ من عملها في هذا السياق. ويشمل ذلك بالطبع مراقبة المساجد، والجامعات، ومطاردة النشطاء، وصولا إلى عمليات إعادة تشكيل الوعي التي تمضي منذ العام 2004، بإشغال الناس بالرواتب والاستثمارات. والجهد غير المنظور بطبيعة الحال هو ذلك الذي يقوم به قطاع من عناصر حركة فتح المنسجمين مع خط قيادتها الراهن، والذي يساعد أكثر من أي شيء آخر في تحقيق الهدف المطلوب، لأنهم جزء من الشعب ويعيشون بين صفوفه، ويمكنهم تلمس وضعه الداخلي أكثر من أي أحد آخر، فكيف وبعضهم يرى ما يفعل نضالا، أو يُقنع نفسه بذلك؛ تماما مثل قيادته. وما من شك أن ذلك لا يشمل الجميع، إذ أن من أبناء الحركة من ينسجمون مع ضمير شعبهم، وينحازون لخياراته في مقاومة الاحتلال، لكنهم يعجزون عن فرض خياراتهم على القيادة المتنفذة، ولا يصل بهم الحال حد التمرد عليها. يحيلنا هذا إلى المخاوف التي تنتاب قادة الكيان الصهيوني، مما سموه “غيابا مفاجئا” للرئيس الفلسطيني، على اعتبار أنه الأكثر حماسة للمسار الراهن، وهو من يمنحه الزخم، وهي مخاوف عبّرت عنها قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، بحسب القناة الإسرائيلية العاشرة قبل أيام. هل يعني ذلك أن الصهاينة ليسوا جاهزين لاحتمال كهذا؟ يُستبعد ذلك، فليس من عادتهم أن يتركوا أنفسهم أسرى للاحتمالات، والأرجح أنهم فكروا في بدائل محتملة ستكون وفية للخيار الذي اختطه عباس، وسيكون بعض العرب عونا لهم في توفيرها وإقناعها بالمضي في ذات الخيار أيضا، وعموما لا يتوافر في البدائل المحتمل أية شخصية تبدو في وارد تغيير المسار نحو المقاومة. من هنا تبدو المسؤولية ملقاة على عاتق الشرفاء في حركة فتح بأن يجدو سبيلا للتغيير، وإذا لم يحدث فسيبقى التعويل على الجماهير وانتفاضتها، بحيث تدفع أولئك دفعا نحو المسار الوحيد الذي يمكن أن يأتي بنتيجة في مواجهة الاحتلال، لا سيما أن أكثر قوى المقاومة الأخرى لا زالت تحاول الدفع بالانتفاضة نحو التصاعد، لكن الجهد الأمني للسلطة وللاحتلال لا زال يحاصرها ويحجّم إنجازاتها.
(المصدر: الدستور 2016-03-26)